محمود الدنعو

رد الجميل صعب


كانت السويد واحدة من عدة دول أوروبية اعترفت اعترافاً رمزياً بدولة فلسطين، فكان لذلك وقع خاص لدى الفلسطينيين الذين يسعدهم أن تنامى حجم التضامن مع قضيتهم العادلة، ولم يكن يدر بخلد السويديين حينها بأن فلسطين التي ترزح تحت نير الاستعمار الإسرائيلي لعقود من الزمان، والتي قطع عنها الاحتلال كل سبل الحياة، يمكنها أن تقدم للدولة الأوروبية في المقابل ما يوازي اعترافها وإن كان رمزياً، ولكن المصائب كما تجمع المصابين تتيح لهم فرصة نادرة لرد الجميل والتحية بأحسن منها. فالأزمة السورية الراهنة جمعت السويد وفلسطين في المصائب، حيث كان لاجئو فلسطين في مخيم اليرموك ومواطنو السويد في مرمى نيران الحرب السورية، وكان هناك رهينتان سويديان محتجزان في سوريا منذ ديسمبر من العام 2013 من قبل جماعة مسلحة من الجماعات التي تقاتل في سوريا، وعندما انقطع الأمل في الوصول إليهما لتحريرهما لجأت السويد إلى فلسطين التي فرحت بهذه الفرصة لرد الجميل، ونحجت المخابرات الفلسطينية في تحقيق إنجاز كبير ردت به الجميل إلى السويد عندما قامت بعملية معقدة لا تقوى عليها أجهزة استخبارات دول كبرى ناهيك عن مخابرات لدولة غير معترف بها، وتعيش الحصار من قبل الاحتلال، الذي يجمد عائدات الضرائب، ويجمد بالتالي رواتب عناصر الحكومة الفلسطينية بما فيها المخابرات التي قامت بعمل بطولي عندما تسللت إلى العمق السوري وحررت الرهينتين في عملية من دون دفع فدية أو إطلاق رصاصة واحدة.

العملية التي قامت بها المخابرات الفلسطينية كانت معقدة ودقيقة وتنقل خلال ضباط المخابرات الفلسطينية إلى عدة عواصم عربية وآسيوية وأوروبية حتى تمكنوا من التوصل إلى “طرف خيط رفيع عن مكان احتجازهما والمسلحين الذين يحتجزونهما”، وأطلق على العملية التي تكللت بالنجاح اسم (رد الجميل للسويد) على اعترافها بدولة فلسطين العام الماضي.

لا شك أن رد الجميل صعب، ولكن في الظروف التي تعيشها فلسطين فإنه يكون أصعب، ولكن العزيمة والإصرار كللت جهود المخابرات الفلسطينية بإطلاق سراح الرهائن وإدخال البهجة في نفوس أسرهم في انتظار أن يرد العالم أجمع الجميل للشعب الفلسطيني يوم أن يطلق سراحه ويحرره من الاحتلال الإسرائيلي الذي يحتجز شعباً كاملاً رهينة منذ عشرات السنوات والعالم أجمع يتفرج، باستثناء بعض الموافق النبيلة والتضامنية التي يقدرها الشعب الفلسطيني، ويسعى إلى رد الجميل الصعب لمن يستحقونه، كما فعل مع السويد التي اعترفت بدولتهم مع دول أوروبية أخرى، وخصوصا دول أمريكا اللاتينية التي تبدي تضامناً كبيراً مع القضية الفلسطينية على نحو لا نجده أحيانا حتى من ذوي القربى.