المواجهة المتوقعة: البشير يودع “رسائل النصر” في بريد الدول الغربية “المتشككة”.. الخرطوم وعواصم الغرب وخمس سنين جديدة
حينما أصدرت دول الترويكا الولايات المتحدة الأمريكية النرويج وبريطانيا وأتبعتها دول الاتحاد الأوروبي وكندا بيانا قدحت فيه وشككت قبلاً في نزاهة وشفافية الانتخابات وووجهت لها اتهامات بالتزوير قبل إجرائها وإعلان نتائجها، أصدرت الخارجية حينها بيانا شديد اللهجة عقب استدعاء أكثر من ثلاث مرات طال سفراء تلك الدول المقيمين في الخرطوم، دافعت فيه وزارة الخارجية عن موقف السودان من إجراء الانتخابات وضرورة قيامها بوصفها استحقاقاً دستورياً وحقاً للشعب السوداني ولا يحق لأي جهة خارجية التدخل فيه وأنها تمت تحت رقابة دولية.
لكن بالأمس والرئيس عمر البشير رئيس الجمهورية المنتخب لخمس سنوات جديدة، وهو يبدأ مرحلة جديدة في فترة الحكم، كان كمن يشبه منتظراً لحظة النصر والفوز ليعلنها على الملأ وخاصة مشككي الدول الخارجية، العلاقات الخارجية كانت حاضرة في ثنايا رسائل الرئيس للخارج، بما يشبه إيداع رسائل نتائج الانتصار في الانتخابات في بريد أولئك المشككين وخاصة الدول الغربية ممن أعلنوا موقفاً مسبقاً من العملية برمتها قبل نتائجها والاعتراف بها من عدمه، ما يوحي بفتح صفحة جديدة في مواجهة تلك الدول خلال السنوات الخمس المقبلة.
رسالة رئيس الجمهورية المنتخب في ولايته الجديدة كانت هي الأقوى في الخطاب الحكومي الرسمي والراسمة لمسار علاقات السودان ربما في المرحلة المقبلة مع تلك الدول، البشير وهو يرسل رسائله بحالة من الفخر بأن السودانين أحفاد أعظم حضارة عرفها التاريخ في مروي، وأنه ليس بالمستغرب عليهم تقديم الدرس لمن قال إنهم: “يفتكروا انفسهم إلى الان أوصياء على السودان” وقال بلهجة حاسمة: “نقول لهم السودان نال استقلاله في العام 1956 وأصبح بلدا حرا لا يقبل وصاية ولا إملاءات من أحد نحن بتاريخنا وديننا وأخلاقنا أفضل منهم مليون مرة، نحن بلد حر لا يقبل وصايا في تاريخنا الحديث قدمنا درسا، شمس بريطانيا غابت في السودان في زمن ما فيه اتصالات ولا أجهزة، لكن الشعب المعلم قدم ثورة ناجحة”.
وحرص البشير في رسالته وهو يهنئ الشعب وقيادات حزبه بفوزه في الولاية الجديدة على أن يذكر تلك الدول التي طعنت في الانتخابات، حين قال إن الانتخابات نظيفة وشفافة وحرة ونموذج حضاري نقدمه للآخرين خاصة للقوى الاستعمارية في أوروبا.
حسناً، بالنظر إلى مجمل علاقات السودان الخارجية خلال المرحلة الماضية، يبدو أن موقف دول الترويكا والاتحاد الأوروبي وكندا، كان متوقعاً وأنها على علم بهذا الموقف مسبقا من خلال رفضها منذ البداية المشاركة في مراقبة الانتخابات، لما يعبر عنه من موقف رافض لمنظومة الإنقاذ الحاكمة للبلاد، وتظن الحكومة أن ذلك لن يؤثر على شرعية الانتخابات باعتبار أن ما حدث في الإقليم ودول مجاورة كثيره جرت فيها انتخابات بالتزوير والضرب والاعتقالات والسجون لم يتجرأ الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا على رفضها إنما رحبت بها، كل ما يجري الآن من تصاعد في لهجة السودان وتلك الدول المؤثره إقليميا ودوليا، وإعلان موقفها الرسمي بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات يتوقع أن يحدث تأثيرات على علاقات السودان مع تلك الدول، تفسره الحكومة في مرات كثيرة على أنه عداء للنظام الحاكم على حساب تعاطف مع معارضة ذات شقين سياسي ومسلح وأبواب للتعاطي مفتوحة وسكك تبدو سالكة بين تلك الدول والمعارضة بشقيها أكثر من الحكومة.
وبالنظر إلى المواجهة المتوقعة بين السودان وتلك الدول والتي ربما تبدو اعتادت عليها الحكومة في سنواتها الخمس والعشرين الماضية، والخروج منها في كل مرة، قد تراهن الحكومة على رصيد جديد في العلاقات الخارجية، ستظهر فيه بوضوح علاقات السودان التي سارت في طريق التحسن والتطور والانفتاح من جديد مع دول عربية وأفريقية ذات ثقل كبير، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر ودول الخليج ككل بعد اقتراب السودان في الفترة الأخيرة من الحلف العربي والمشاركة في عاصفة الحزم والتقارب في كثير من القرارات العربية بما يعكس الهم العربي المشترك، علاقات ربما تعول عليها الخرطوم لمعالجة أزمات سياسية وأمنية واقتصادية تحاول البحث عن حلول لها في العواصم الخارجية بفتح أبواب الاستثمار والتقارب بمختلف أنواعه
اليوم التالي