ما أشبــــه البارحـــة بالليلة!!
للشعر اغراض مختلفة مثلما للشعراء عوالم مختلفة ومتعددة.
ولم يترك الشعراء باباً وإلا طرقوه بألسنتهم الحادة وخيالهم الخصب الجامح..
وعالم الشعراء دنيا من الغرائب والعجائب التي لا تنقضي وأعجبها حين يكتبون الشعر الفكاهي فهو ضرب نادر من أنواع وأغراض الشعر ولكنه من أجمل وأظرف ما تجود به القرائح.. وما أروع الشاعر حين يتحلى بروح الدعابة والسخرية .
كبار الشعراء طرقوا باب الشعر الفكاهي وكانت بينهم مساجلات وطرائف ومقالب.. أكدت قول الحق عز وجل فيهم.. ألا أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون مالا يفعلون.
تعالوا نهيم معاً في عالم الشعر الفكاهي في استراحة محارب بعيداً عن عالم السياسة والحديث عن مآلات الإستفتاء.. تعالوا نغسل بعض همومنا بهذه الدعابات الأدبية التي قالها أصحابها في لحظات تجلي.. وقديماً قالوا اضحك تضحك الدنيا معك.. ابكي تبكي .. وحدك.. ولا نقول لكم تبكوا بس.
ذكاء الخليفة وحيلة الاصمعي
يحكى ان الخليفة العباسى ابو جعفر المنصور كان حريصا جدا على اموال الدولة وكان من عادة الخلفاء ان يعطوا الهدايا للشعراء ويغدقوا عليهم بالاموال ، فلجأ ابو جعفر الى حيلة حتى لا يعطى للشعراء الاموال ، فأصدر بياناً بان من يأتى بقصيدة من بنات افكاره اخذ وزن ما كتب عليها ذهباً ، فتسارع الشعراء الى قصر الخليفة ليسردوا شعرهم ولكن المفاجأة الكبرى انه عندما كان يدخل الشاعر ليقول قصيدته وينتهى منها ، يقول له الخليفة هذه القصيدة ليست من بنات افكارك لقد سمعتها من قبل ويعيدها عليه فيندهش الشاعر ثم ينادى الخليفة على احد غلمانه فيقول له هل تعرف قصيدة كذا وكذا فيقول نعم فيعيدها عليهم الغلام ثم ينادى الخليفة لجارية عنده هل تعرفين قصيدة كذا وكذا فتقول نعم وتسردها عليهم فيقف الشاعر ويكاد ان يطير عقله من هذا فلقد سهر طوال اليل يؤلف هذه القصيدة ثم يأتى الصباح يجد ثلاثة يحفظونها .
فما هى الحيلة التى كان يفعلها الخليفة؟.. كان ابو جعفر المنصور يحفظ الكلام من مرة واحدة وكان عنده غلام يحفظ الكلام من مرتين وجارية تحفظ الكلام من ثلاث فإذا قال الشاعر قصيدته حفظها الخليفة فعاده عليه ويكون الغلام خلف ستار يسمع القصيدة مرتين مرة من الشاعر ومرة من الخليفة فيحفظها وهكذا كانت الجارية تقف خلف ستار تسمع القصيدة من الشاعر ثم الخليفة ثم الغلام فتحفظها .
فأجتمع الشعراء فى منتداهم مغمومين لما يحدث ولا يدرون كيف ان القصائد التي يسهرون ليألفوها تأتى فى الصباح يحفظها الخليفة والغلام والجارية ، فمر عليهم الشاعر وعالم اللغة الأصمعى فرأى حالهم فقال لهم ما بكم فقصوا عليه قصتهم فقال ان فى الأمر لحيلة ، فعزم على ان يفعل شيئا فذهب الى بيته ثم جاء فى الصباح الى قصر الخليفة وهو يرتدى ملابس الأعراب «البدو» فاستأذن ليدخل على الخليفة فدخل ، قال للخليفة: لقد سمعت انك تعطى على الشعر وزن ما كتب عليه ذهباً قال له الخليفة :هات ما عندك ، فسرد عليه الأصمعى القصيدة التالية
صَوتُ صفيرِ البُـلبُـــلِ هَيَّجَ قلبي الثَّمِلِ
المــاءُ والزّهرُ معــــاً مَعْ زَهرِ لَحْظِ المُوقَلِ
وأنتَ يـــــــا سيِّدَلي وسيِّدي ومَوْلَى لِي
فَكَــــمْ فَكَـــمْ تَيَمُّني غُزَيِّلٌ عَقَيْقَلي
قَطَّفتَهُ مِنْ وَجْنَةٍ مِنْ لَثْمِ وَرْدِ الخَجَلِ
فقـــــالَ لا لا لا لا لا فَقَدْ غَدا مُهَرْوِلِ
والخُوذُ مـــالَت طَّرَبَاً مِنْ فِعْلِ هذا الرَجُلِ
فَـوَلْوَلــــــَتْ وَوَلـــْوَلَتْ وَلي وَلي ياوَيْلَلي
فَقُلـــتُ لا تُـــــــوَلْوِلي وبَيِّني اللُؤْلُؤَ لي
قالتْ لَــــــهُ حينَ كذا انهَضْ وجِدْ بالنُّقَلي
وَفِتْيَةٍ سَقَــــــــــوْنَني قَهْوَةً كَالعَسَلَ لِي
شَمَمْتُهـــــــــا بِأَنَفي أَزْكى مِنَ القَرَنْفُلِ
في وَسْطِ بُسْتانٍ حُلي بالزَّهْرِ والسُرُورُ لي
والعُودُ دَنْدَنْ دَنَــا لي والطَّبْلُ طَبْطَبْ طَبَ لي
طَبْ طَبِطَبْ طَبْ طَبِطَبْ طَبْ طَبِطَبْ طَبْطَبَ لي
والسَّقْفُ سَق ْسَقْ سَقَ لي والرَّقْصُ قَدْ طابَ لي
شَوى شَوى وشاهِشُ على وَرَقْ سِفَرجَلي
وغَرَدَ القِمْرِ يَصيحُ مَلَلٍ في مَلَلِ
وَلَوْ تَراني راكِباً على حِمارٍ أهْزَلِ
يَمْشي على ثلاثَةٍ كَمَشْيَةِ العَرَنجِلِ
والناسْ تَرْجِمْ جَمَلي في السُوقْ بالقُلْقُلَلِ
والكُلُّ كَعْكَعْ كَعِكَعْ خَلْفي وَمِنْ حُوَيْلَلي
لكِنْ مَشَيتُ هارِباً مِن خَشْيَةِ العَقَنْقِلي
إلى لِقاءِ مَلِكٍ مُعَظَّمٍ مُبَجَّلٍ
يَأْمُرُني بِخَلْعَةٍ حَمراءْ كالدَّم ْدَمَلي
أَجُرُّ فيها ماشِياً مُبَغْدِداً للذِّيَلِ
أنا الأديبُ الألْمَعي مِنْ حَيِّ أَرْضِ المُوصِلِ
نَظِمْتُ قِطْعاً زُخْرِفَت ْيَعْجزُ عَنْها الأدْمُلِ
أَقُولُ في مَطْلَعِها صَوْتُ صَفيرِ البُلْبُلِ
فحاول الخليفة ان يعيدها فلم يستطع فنادى على الغلام هل تعرف هذه القصيدة فقال لا يا أمير المؤمنين ، فنادى على الجارية هل تعرفين هذه القصيدة فقالت لا والله يا امير المؤمنين ، فقال الخليفة هات ما كتبتها عليه نعطيك وزنه ذهبا ، فقال الأصمعى ورثت عمود رخام من ابى نقشتها عليه وهو فى الخارج لا يحمله الا عشرة من الرجال
يهجو داره المتهالكة!
هذهِ أبيات يصف بها الشاعر بيته المتهالك:
ودار خراب بها قد نـــزلت
ولكن نزلت إلى السابعة
فلا فرق مابين أني أكـــون
بها أو أكون على القارعة
وأخشى بها أن أقيم الصلاة
فتسجد حيطانها الراكعة
إذا ماقرأت (إذا زلـــــزلت)
خشيت بأن تقرأ (الواقعة)!!
أيُّ بخل هذا..؟!
قال أبو نواس في بخيل اسمه (الفضل):
رأيت الفضل مكتئبــا يناغي الخبز والسمكا
فقطّب حين أبصرني ونكّــس رأسه وبــكى
فلمّا أن حلفـــت لــه بأنـــّي صائـم ضحـكا!!
الحذاء .. الهدية
أرسل شاعر من شعراء المهجر هدية إلى صديقه عبارة عن حذاء وكتب معهُ هذهِ الأبيات:
لقد أهديتُ توفيقاً حذاءً
.فقالَ الناسُ وما عليه
أما قالَ الفتى العربيُ يوماً
شبيهُ الشئ منجدبٌ إليه
فرد عليه الشاعر بعبقريته الفكاهية قائلا:
لو أن الهدايا بمقدار صاحبها
أُهدت إليَّ الدنيا وما فيها
لكني قبلتُ هذا النعلَ معتقداً
ان الهدايا بمقدار مهديها
ساعتي .. فلذة كبدي!
فقد شاعر ساعة يده، فكتب قصيدة تحت عنوان «فجيــعة في ساعة» يقول فيها:
وساعة كالسوار حول يدي
ضاعت فأوهى ضياعها جلَدي
مازال يطوي الزمان عقربها
حتى طواها الزمان للأبدِ
ضيّعها نجلي الصغير وكم
حمّلني من خسارة ولدي
قالوا: فداءً له فقلت لهم:
كلاهما فلذتان من كبدي
قالوا: التمس غيرها، فقلت لهم:
وهل معي ما يقيم لي أودي؟!
إلتبست أيامي عليّ فلا
أفرق ما بين السبت والأحد
واختل وقتي، فإن وعدتك أن
أزورك اليوم جئت بعد غد!!
هي محنة السلطة حين يكون “سوء الأخلاق” أكثر وضوحاً من علامات الصلاة التي يصطنعها المنافقون القساة، والذين تجتمع فيهم جل الصفات “اللا إنسانية”..!!
هذه السطور من نفحات شبونة
اعجبتنى اتمنى ان تنال اعجابكم