عثمان ميرغني

الرجاء إبراز (البطاقة!)..!!


أأنت صحفي إسلامي أم شيوعي أم بدون؟ عند العامة مثل هذا السؤال يحدد درجة (القبول) .. قبول الرأي.. فالرأي المخالف – عند الكثيرين- ليس في فكرته ومضمونه ، بل في بطاقة من ينطق به..
أمس لفت نظري في واحدة من المجموعات (القروبات) المنتتشرة في أثير (الواتساب).. وتضم كوكبة أسماء لامعة في الوسطين الصحفي والسياسي ومن يجمعون بين الصفتين.. مثل هذا الحوار .. جدل يقوم على مبدأ (أرني بطاقتك.. لأرى عقلك).
هل تدرون ماهي أطول آية في القرآن الكريم.. بالطبع هي آية (الدَيَّن) في أواخر سورة البقرة.. ألم يلفت نظركم في هذه الآية مقطع عجيب؟.
(يا أيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بديْنٍ إلى أجل مسمّى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل..)
لاحظوا مقطع (كاتب بالعدل).. لماذا لم يقل القرآن (كاتب عدل).. الإجابة تحتاج إلى بصيرة قبل البصر.. فالأولى،أي (كاتب بالعدل) تضع الأمانة في (المحتوى) ..محتوى ما يكتب.. أما الثانية (كاتبٌ عدلٌ) فهي تعول على صفة الكاتب (كاتب عدل).. والفرق كبير بينهما.
القرءان الكريم حدد بصفة قاطعة أن (محتوى) ماهو مكتوب هو (العدل!) الذي يُعتد به .. مهما كان الكاتب.. دينه أو مؤهلاته أو صفاته..
لم يحدد القرآن صفة (من يكتب).. أو بطاقته.. لكنه حدد بصورة قاطعة لا تقبل التأويل أن (المحتوى) الذي يكتب هو القياس .. إن كان صحيحاً فهو (عدل).. وغير ذلك فهو (حيْف).
ولتأكيد المعنى استطردت الآية في التفسير فيقول النص (ولا يأبَ كاتبٌ أن يكتب كما علمه اللهُ، فليكتب وليُمللِ الذي عليه الحقُّ وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً، فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يملّ هو فليُملل وليُّه بالعدل).
أن يملل وليه بـ(العدل!!).. صفة ما يجب أن يُكتب أيضاً .. دون النظر إلى صفة (الولي) نفسه..
الشاعر أبو الطيب المتنبي.. أحكم من مشى على الأرض من الشعراء.. كل بيت في قصائده تمدد على مر الزمان حكمة على الألسن .. يستهدي بها الناس.. هذا المتنبي مارس أسوأ وأحقر ضروب العنصرية البغيضة في مسلكه (المهني!!) عند أعتاب كافور الأخشيدي.. تملّس له بأرق القصائد والمدح عندما كان يرجو الجاه.. وما أن انقطع الرجاء حتى تحول إلى أقذع العبارات في قصيدة مشهورة هي أحط درجات العنصرية.
هو هو المتنبي نفسه.. صاحب الأدب الرفيع في كثير من قصائده.. بمبدأ (أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي..).. وهو هو صاحب الأدب الوضيع في بعض قصائده، بمبدأ (أنا الذي نظر الأعمى إلى “قلة” أدبي..) في بعض قصائده.. تظل كل قصيدة وكل بيت شعر محمولاً على (العدل) الذي فيه.. لا على (العدل!!) أو (الحيف) الذي في نفس شاعرها.
أرقى الكتابة هي التي يلتقي فيها عدل (المتلقي) مع عدل (الكاتب)، لا هوى المتلقي .. مع (بطاقة) الكاتب..


تعليق واحد

  1. ماشاء الله علي فهمك لمعاني القران الكريم وددت لو انك خصصت بعض من كتاباتك لهذه الاشراقات وخليك من السياسه فانها لكل من هب ودب