من يكسب رهان معركة الصيدلة.. السلطات الاتحادية أم الولائية؟؟
تحول الصراع بين وزارتي الصحة الاتحادية والولائية حول إنشاء مجلس صيدلة ولائي إلى حرب مكشوفة بين ولاية الخرطوم ووزارة الصحة الاتحادية. وبعد أن كانت الوزارتان تتبادلان إصدار القرارات والاتهامات حول أحقية كل منهما بمسؤولية العمل الرقابي، تدخل والي الخرطوم د. “عبد الرحمن الخضر” حاسماً المعركة وقاطعاً الطريق أمام وزارة الصحة الاتحادية في تنفيذ القانون الاتحادي الذي يخول لها الرقابة على المؤسسات الصيدلانية بنص الدستور والقانون، بينما تستند ولاية الخرطوم إلى قانون مجلس الصيدلة الولائي.
تشكيل مجلس الصيدلة بالخرطوم أثار جدلاً واسعاً وسط الصيادلة لعدم قانونية قيام مجالس للصيدلة بالولايات، وضرورة الاكتفاء بمجلس اتحادي للأدوية والسموم تفادياً للتضارب في الاختصاصات والمهام. وكان وزير الصحة “مأمون حميدة” قد حل المجلس السابق بقرار وزاري وتم تشكيله مرة أخرى بقرار من والي الخرطوم 2012.
ترى من يكسب رهان المعركة.. هل هي وزارة الصحة الاتحادية أم ولاية الخرطوم؟.
أعلن والي الخرطوم د. “عبد الرحمن الخضر” رداً على قرار مجلس الأدوية والسموم القاضي بسحب التفويض في إصدار الرخص والرقابة من السلطات الصحية بالولاية في أعقاب إنشاء مجلس صيدلة ولائي موازٍ لمجلس الصيدلة الاتحادي، أعلن أن وزارة الصحة بالولاية تمارس سلطاتها تجاه تنظيم عمل الصيدلة والسموم وفقاً للدستور والقانون الولائي، كما أعلن رفضه سحب التفويض من وزارة الصحة فيما يلي دورها في هذا الخصوص، وقال إن التصديق بالصيدليات ومواقعها حق أصيل للولاية، وإن الصيدليات مثلها مثل أي محال تجارية أخرى تقوم وفقاً للتصديق الصادر من الولاية. وأكد الوالي رفض الولاية لأي إملاءات تفرضها الاتحادات لتحديد مسافات أماكن الصيدليات.
وبالرغم من ترحيب وزير الصحة ولاية الخرطوم د. “مأمون حميدة” بقرار سحب التفويض من وزارته، إلا أنه ألمح إلى صعوبة أيلولة التصديق والمراقبة والتفتيش لعدد (1800) صيدلية و(35) شركة للأدوية، إضافة إلى ما يفوق (100) مخزن للدواء للمجلس القومي للأدوية، متمنياً له النجاح في مهمته الجديدة إضافة إلى مهامه في تسجيل الدواء والكشف عن الأدوية المغشوشة، موضحاً أن الوزارة تسعى لتجويد العمل بها وفق الصلاحيات المخولة لها، لكنه أكد أن وزارته لم تتلق إخطاراً رسمياً بشأن قرار سحب التفويض الممنوح للسلطة الصحية بولاية الخرطوم بممارسة إصدار الرخص والرقابة على المؤسسات الصيدﻻنية، على أن يقوم المجلس القومي للأدوية والسموم بممارسة هذه الاختصاصات، وقال إن الوزارة تعمل وفق القانون وإذا كان للمجلس الحق في سحب سلطة وﻻئية (فلا مانع لدينا لنتعامل وفق معطيات القانون).
وأكد الأمين العام للمجلس د. “محمد الحسن إمام” رداً على اتهامات “مأمون حميدة” بعدم مقدرة المجلس القومي على مراقبة جميع المؤسسات الصيدلانية بالولاية، أن إمكانيات مجلس الأدوية أكبر من إمكانيات ولاية الخرطوم، لافتاً إلى البدء في تفتيش (13) صيدلية خلال اليوم الواحد بواسطة أتيام متخصصة، عادّاً ذلك نشاطاً طبيعياً للمجلس. ونوه إلى اتجاه لمراجعة قائمة الأدوية وإمهال الشركات حتى تقوم بتسجيل الأدوية أو شطبها وتحويلها لشركات أخرى لتسجيلها، لافتاً إلى استهداف المجلس لتسجيل الأدوية ذات الحاجة الماسة من قبل المواطنين، على أن تكون ذات جودة ومأمونية عالية، مشيراً إلى وجود ما يقرب (15) ألف صيدلاني بالسودان، مشدداً على ضرورة الاستفادة منهم في تطوير المهنة.
وأصدر رئيس الإدارة القانونية بولاية الخرطوم مستشار عام “علي خضر علي” خطاباً رداً على طلب وزير الصحة بالخرطوم “مأمون حميدة” حول مراجعة الفتوى القانونية بشأن تحديد أبعاد الصيدليات، هل هو قرار اتحادي أم ولائي؟؟ وأكد أحقية الولاية في إنشاء وتنظيم وتوفير الرعاية الصحية بما في ذلك المستشفيات والمؤسسات الصحية الأخرى، وذلك وفقاً لدستور السودان الانتقالي لعام 2005م، الذي أسس لنظام الحكم اللا مركزي، وحدد اختصاصات حصرية يمارسها مستوى الحكم الولائي وفقاً للاختصاصات الواردة في الجدول (ج) الملحق بالدستور القومي. وقال “خضر” إن سلطات الترخيص كانت تنحصر لدى المجلس القومي للأدوية والسموم بموجب الفتوى الأولى قبل صدور الدستور وفقاً قانون الصيدلة والسموم لعام 2001م الذي منع أي شخص من إنشاء أية منشأة صيدلانيه إلا إذا حصل صاحبها على ترخيص من المجلس. وقال “خضر” إن المحامي العام لجمهورية السودان “صلاح الدين أبو زيد مختار” أكد أن سلطة تحديد الموقع والمباني والمساحة بالنسبة للصيدليات أصبحت سلطة مجلس الصيدلة المنشأة بموجب قانون الصيدلة لولاية الخرطوم 2012م، في حين أن وضع المواصفات والضوابط والشروط بعمليات الاستيراد والتصنيع، والرقابة والتخزين والترحيل، واستعمال الأدوية ومستحضرات التجميل، وكل المستلزمات الطبية والمستحضرات الصيدلانية ظلت هي سلطة المجلس القومي للأدوية والسموم وفقاً لأحكام قانون الأدوية والسموم للعام 2009م.
وقال “علي خضر” إن قانون الأدوية والسموم لعام 2009م الذي ألغى قانون 2005م حذف المادة (10-1) من قانون 2001 الخاصة بترخيص المنشآت الصيدلانية، التي منعت أي شخص من إنشاء أية منشأة صيدلانية إلا إذا حصل صاحبها على ترخيص من المجلس، كما حُذفت المادة (17) من نفس القانون الذي نصت عليه سلطة المجلس في إلغاء التراخيص. كما أن المادة (56/أ) من قانون الصيدلة والسموم لسنة 2001م قد حذفت ونصت أيضاً على أنه يجوز إصدار اللوائح اللازمة بإنفاذ هذا القانون، ومع عدم الإخلال بما تقدم يجوز أن تنص تلك اللوائح على الشروط الواجب توفرها في الترخيص في المحال التي تزاول فيها المنشأة الصيدلانية أعمالها من حيث الموقع والمباني والمساحة.
وانتقد رئيس اتحاد الصيادلة السودانيين د. “صلاح إبراهيم” قرار تشكيل مجلس للصيدلة بولاية الخرطوم الذي قال إنه يهدف لإلغاء مسافة (500) متر بين الصيدليات المعتمدة في قانون الصيدلة والسموم للعام 2009 وعدم شرعيته، وفقاً لتوصية المجلس القومي لتنسيق الخدمات الصحية القاضي بعدم إنشاء مجالس صيدلة ولائية منعاً لتضارب الصلاحيات مع المجلس الاتحادي وتعارضه مع المجلس القومي للأدوية والسموم في لائحة الترخيص للمنشآت الصيدلانية، وتوعد بمناهضة القرار بكل الخيارات المشروعة.
وحذّر رئيس الاتحاد من قيام مجالس ولائية وتعدد الجهات الرقابية مما ينتج عنه تضارب في الآراء وتعدد الموجهات واللوائح التي تنظم تسجيل وتصنيع واستيراد وتوزيع واستعمال الدواء، مما يتسبب في رقابة دوائية ضعيفة، وبالتالي يسمح بدخول أدوية متدنية الجودة ومغشوشة، ولا يخدم قضية الصيدلة وتطويرها. وطالب بتنفيذ توصية منظمة الصحة العالمية بأن تكون السلطة الرقابية قومية مستقلة تتبع مباشرة لمجلس الوزراء وتكون مركزية.
المجهر السياسي