قراءة للمشهد السياسي قبل تنصيب “البشير” رئيساً للبلاد في الثاني من (يونيو) القادم
تترقب الأوساط السياسية بفارغ الصبر الأسبوعين القادمين بعد تتويج مرشح المؤتمر الوطني الفائز بمقعد رئيس الجمهورية في الانتخابات المنصرمة “عمر البشير” في الثاني من (يونيو) القادم بعد توجيه الدعوات إلى الرؤساء والملوك والأمراء في دول التعاون الخليجي والعالمين العربي والأفريقي، حيث من المتوقع بعدها أن تنطلق عملية الحوار الوطني التي تأخرت لأكثر من عام ونصف العام وسط تساؤلات عديدة تطل من بين ثنايا المشهد السياسي.. ماذا ينتظر السودان؟
“البشير” يأتي إلى منصة التتويج مزهواً بالانتصارات العسكرية على الحركات المسلحة وانحسار التمرد في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وحزبه الحاكم المؤتمر الوطني ينظر إلى تحالفاته السياسية وأبرزها مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة مولانا “محمد عثمان الميرغني” بشيء من الرضا والتفاؤل بأن الغلبة له في الساحة في ظل تحالفات المعارضة التي لم تنجز شعاراتها السياسية المعلنة (ارحل.. وإسقاط النظام).
التحدي الأبرز الذي يواجه الأحزاب السياسية المشاركة في عملية الحوار الوطني، وأبرزها المؤتمر الشعبي الغريم السابق للمؤتمر الوطني، هو عدم دخول الحركات المسلحة وقوى الإجماع الوطني ضمن آلية الحوار (7+7)، بل ووضعهم شروطاً ومتطلبات تبدو صعبة ومعقدة في ظل الظروف السياسية التي تمر بها البلاد.. وهنا يبرز التساؤل: كيف سيسير قطار الحوار إلى محطته النهائية لتحقيق الاستقرار والسلام في السودان والخروج بأزماته من النفق المظلم في ظل هذه التحديات والعقبات؟؟
{ السيناريو الأول: حوار يفضي إلى مشاركة
على الرغم من قيام كتلة سياسية معارضة بارزة بالمشاركة، إلا أن أقرب السيناريوهات المحتملة في عملية الحوار الوطني هو المضي بمن حضر إلى آخر المطاف دون الاكتراث بما تطرحه المعارضة أو حركات دارفور في منابر التفاوض أو من خلال الوسطاء في الاتحاد الأفريقي أو دولة قطر وتشاد، وذلك من خلال قناعة قيادات المؤتمر الوطني بأنها استطاعت أن تخلق تحالفاً سياسياً عريضاً مع سيطرة عسكرية على الأوضاع في الأرض وانضمام المؤتمر الشعبي على الرغم من بعض التحفظات في عدم تهيئة المناخ من خلال إطلاق سراح المحكومين ووقف الحرب وفتح الممرات الإنسانية، إلا أن تصميم قيادات المؤتمر الشعبي على المضي قدماً في الحوار يشير إلى أن هنالك تفاهمات غير معلنة بين الطرفين على الرغم من تمسك كل طرف بمواقفه من الطرف الآخر، وهذا يجعل السيناريو أكثر توقعاً من خلال مضي قطار الحوار من دون ركاب آخرين كان يأمل المؤتمر الشعبي أن يكونوا في ركبه، وسيصل القطار إلى محطة المشاركة وفقاً لرؤيتين مختلفتين تتضمنان الحكومة ذات القاعدة العريضة أو حكومة الوضع الانتقالي التي تفضي إلى بروز طرح جديد ظلت تبشر به قيادة المؤتمر الشعبي، وهو ما يسمى (النظام الخالف) الذي تسعى من خلاله إلى تشكيل كيانات سياسية ذات أيديولوجيات موحدة تحسب على أصابع اليد الواحدة من أجل ضمان قيام أحزاب فاعلة ربما تتجاوز مسمياتها القديمة، أو حتى قياداتها التاريخية أسوة بنموذج بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية (حزب معارض وحزب حاكم).
{ السيناريو الثاني: حكومة جديدة وتسويات قادمة
اللافت في السيناريو الثاني هذا تمسك الحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان بمواقفها السياسية على الرغم من الهزائم العسكرية التي تلقتها في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى دعم سياسي من قوى (نداء السودان) التي ظلت تطرح ذات الرؤية للحركات حول الحل دون موافقتها على العمل العسكري الميداني، كما أن بعض الأطراف الخارجية لا تريد لعملية الحوار الوطني أن تفضي إلى مشاركة جميع الحركات والأحزاب مع الحكومة لعدم تحقيق أجندتها. ويمكن في هذا السيناريو أن تكون هنالك مشاركة ضعيفة لحركة أو حركتين وانقسام في جسم (نداء السودان) وبروز كتلة معارضة أخرى قد تتشكل من حركات وأحزاب بغض النظر عن حجمها السياسي والميداني، لكنها لن تدخل في عملية الحوار وإنما ستأتي إلى القطار من باب آخر يسمى التفاوض في عواصم الدول الخارجية مثل أديس أبابا والدوحة، وقد تكون هنالك جولة مفاوضات وتسويات من خلال حكومة جديدة تضم لاعبين سياسيين آخرين مع المؤتمر الوطني للوصول إلى حل في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.. وهذا السيناريو سيظهر بعد بداية عمل اللجان الست في قضايا الحريات والسلام والوحدة، الاقتصاد، الهوية والعلاقات الخارجية وكيفية تنفيذ مخرجات الحوار.
{ السيناريو الثالث: تعطل الحوار واستمرار الحرب
يرتبط هذا السيناريو بمواقف دول الجوار، خاصة دولة جنوب السودان، مع استعداد أطراف دولية لدعم الحركات المسلحة المنضوية تحت (الجبهة الثورية) للاستمرار في الحرب دون توقف بغض النظر عن النتائج الميدانية الأخيرة، التي أظهرت سيطرة القوات المسلحة في بعض المناطق. لكن هذا الاحتمال يبدو ضعيفاً في ظل (الخنقة) والطوق الأمني الذي يحاصر قيادات (الجبهة الثورية) بعد نشر قوات مشتركة ما بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى، وفي القريب العاجل دول أخرى.. ما يجعل الوضع الميداني للحركات المسلحة صعباً جداً في فتح خطوط الإمداد والتسليح وتعويض المقاتلين، وإذا قامت معارك عسكرية داخل دولة جنوب السودان سيزداد الوضع سوءاً بالنسبة للحركات المسلحة.
{ السيناريو الرابع: الانتفاضة والاعتصام المدني
هذا السيناريو يظهر بصورة جلية مقدرة الأحزاب السياسية المعارضة الرافضة للمشاركة في الحوار في تحريك الشارع من أجل إسقاط النظام من خلال أدوات سلمية تشمل الانتفاضة الشعبية والعصيان المدني، لكن التجارب الأخيرة منذ قيام ثورة الإنقاذ أشارت بوضوح من خلال نظرة سريعة إلى إفرازات التجمع الوطني الديمقراطي أو قوى الإجماع الوطني– التحالف السياسي للمعارضة حالياً- إلى أن هنالك عدة أزمات تمر بها المعارضة تتمثل في عدم وجود هيكل تنظيمي فاعل منتشر في القطاعات الحية يتبنى رؤية إسقاط النظام من خلال عمل متواصل ودؤوب، كما أن الخلافات التي تظهر بين الحين والآخر تبرز حجم الضعف الذي يعتري أحزاب المعارضة في إنجاز أهدافها.. وعلى الرغم من أن هذا السيناريو بعيد جداً عن التحقق على أرض الواقع، إلا أن التجارب السياسية في السودان أشارت إلى أن بعض الثورات يمكن أن يحدث دون استصحاب للوقائع السياسية الموجودة، وبغض النظر عن فاعلية الأحزاب السياسية من عدمها.
المجهر السياسي