عبدالله إبراهيم علي :حتى لا ينقطع المعروف بين الناس
البعض من الناس إن لم يكن معظمهم يغضب مع الآخرين ويرد الصاع بصاعين حين يظلمه أحد، في المقابل هناك بعضٌ يسامح على الخطأ، هؤلاء النوع من النفر الكريم هم أصحاب البصمة المميزة التي تبقى، وإن غاب صاحبها، فأرقى النفوس هي التي تجرعت الألم فتجنبت أن تذيق الآخرين مرارته، ولنرتق بكلماتنا، ولا نرفع أصواتنا، فالأمطار هي التي تُنبِتُ الزهور لا الرعد، والدنيا رخيصة وكلنا قد يملكها غنيا وفقيرا وملكا ووزيرا، ولكن الجنة غالية إن لم تملكها بصالح عملك، فلن تملكها بمالك وجاهك وسلطانك.. كان لأبي حنيفة جار يشرب الخمر ويغني دائماً ويقول: (أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا) إلى أن يأخذه الليل فينام، ويردد هذه الأغنية باستمرار، وكان ذلك يزعج أبا حنيفة في كل ليلة ويمنعه النوم، وفي ذات يوم رجع أبو حنيفة إلى بيته كالعادة ولم يسمع صوت جاره، فسأل عنه وقال له أهله: لقد ارتحنا منه، فالرجل عليه دين وتم سجنه بسبب دينه، فقام أبو حنيفة من فراشه ليخرجه من السجن بحكم علاقة الجوار، ثم خرج إلى صاحب الدَّين وسدد دينه، وذهب إلى السجن وتحدث إلى السجان ليخرجه بعد سداد دينه، وبالفعل أخرجه السجان، فأمسك أبو حنيفة بيد جاره وهو يمشي به إلى بيته، فالتفت إليه أبو حنيفة، وقال له: هل أضعناك نحن؟ فقال له: لا، بل حفظت ورعيت الجوار، ثم تاب الرجل وصار من تلاميذ أبي حنيفة ومن الذين لا يفارقونه أبداً، وهذا كله بمجرد دراهم معدودة سُدِّدت له، فالإسلام أمر بالإحسان حتى لغير المسلم، إذن نتيجة صبر أبي حنيفة على جاره والإحسان إليه جعله لا يفارقه، فقمة الصبر أن تسكت وفي قلبك جرحٌ يتكلم. أيضاً تحضرني قصة اليهودي جار الرسول صلى الله عليه وسلم، حين كان يؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم برمي الشوك والقاذورات عند بيته صلى الله عليه وسلم!! فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يزيح القاذورات عن منزله، ولم يقل شيئاً كعادته، وفي ذات مرة لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأوساخ بداره، فذهب يتفقد جاره فوجده مريضاً، دخل صلى الله عليه وسلم على جاره اليهودي وتمنى له الشفاء، فسأل اليهودي الرسول صلى الله عليه وسلم: كيف عرفت أني مريض؟ قال له: بمجرد لم أجد القاذورات التي ترميها عند باب بيتي، فبكى اليهودي بكاءً شديداً من طيب أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فنطق بالشهادتين ودخل في دين الإسلام، فماذا نحن فاعلون عندما تحل بنا المصائب ويشتد بنا الغضب؟.. كما تحضرني أيضاً مقولة لابن القيم في ذات السياق، حين قال: (اصدق مع الله فإذا صدقت عشت بين عطفه ولطفه، فعطفه يقيك ما تحذره ولطفه يرضيك بما يقدره)، إذن لنتحلَّ بالأخلاق النبيلة والسلوك القويم لنحسن التعامل مع الآخرين. أخيراً إذا فشلت في رفع أحد لمستوى أخلاقك، فلا تدعه ينجح في إنزالك لمستوى أخلاقه، ولا تندم إطلاقاً على أنك عاملت الآخرين بقلب نقي ونية صافية، فإن الله سوف يجازيك على قدر نيتك وسوف يجازيهم على قدر نواياهم، ولنكن كالنخلة التي يرميها الناس بالحجارة، فترمي أطيبَ الثمرِ، ومن أجمل ما قرأت، قال غاندي: (رماني الناس بالحجارة فجمعتها وبنيت بيتاً).
مقال رائع. جزاك الله كل خير