محمود الدنعو

قمة جبل الجليد


عندما يقال في توصيف أزمة ما، بأنها أسوأ الأزمات الإنسانية في أفريقيا، فمعنى ذلك أن الواصف لهذه الأزمة لم يجد في المعايير والمقاييس كافة لتوصيف الأزمة، وهذا مؤشر إلى أنها وصلت مراحل ما بعد اليأس في إصلاحها، ومع ذلك لم يجد رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر من هول ما شاهد من فظائع خلال زيارته إلى يولا ومايدوجوري، المدينتين الواقعتين في شمال شرق نيجيريا، اللتين لجأ إليهما مئات آلاف النازحين جراء أعمال العنف التي تقوم بها حركة بوكو حرام لم يجد بداً من توصيف الأزمة الراهنة بأنها “إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في أفريقيا”.

ومع أن التوصيف بهذا الشكل يكشف الكثير من الفظائع المرتكبة بحق الإنسانية ولكن رئيس الصليب الأحمر يشحذ خيال الإعلام والجمهور لتصور الوضع على الأرض عندما يقول: “لقد عدت بانطباع قوي بأنني لم أر إلا رأس الجبل الجليدي”.

فما بالكم لو أنه رأى جبل الجليد بأكمله الذي يحتوي جثث 15 ألفاً من ضحايا العنف الذي تشنه الحركة منذ العام 2009 بالإضافة إلى تشريد نحو مليون ونصف المليون من المدنيين من قراهم الآمنة.

إذن، شاهد رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر فقط قمة جبل الجليد ليوصف الأزمة بأنها الأسوأ في أفريقيا، وهي ذلك لأنها أزمة مركبة أمنية وإنسانية، حيث الترويع بالقتل والاختطاف والاغتصاب، بجانب التشريد والنزوح الواسعة في المناطق التي تنشط فيها الحركة التي امتد نشاطها إلى دول الجوار في تشاد والكميرون، مما جعل دول الإقليم تستنفر قواها من خلال تشكيل قوات مشتركة لضبط ومراقبة الحدود ومحاربة عناصر الحركة التي تسعى إلى بث الفوضى في المنطقة.

قمة جبل الجليد هذه تحتاج من المجمتع الدولي أكثر من الاجتهاد في التوصيف المناسب لها، فلا يزال الموقف الدولي من هذه الأزمة يثير الكثير من التساؤلات حول المعيار الحقيقي للتدخلات والمساعدات الدولية في الكثير من الأزمات المماثلة حول العالم، هل ذلك التدخل من أجل الضحية أم الجلاد؟ وهل هناك فرق بين ضحية وأخرى طالما الجلاد وأحد؟ فبوكوحرام أعلنت على الملأ مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق الذي حشدت له الولايات المتحدة حلفاً دولياً لمحاربته في العراق وسوريا، واستنفرت أوروبا جهودها من أجل منع نشاط داعش انطلاقا من ليبيا التي أصبحت الحديقة الخلفية لأوروبا التي لا يوجد بها نظام أو قانون، وباتت معبراً وملاذاً لهذه الجماعات، ولكن نفس المجتمع الدولي الذي هب إلى نصرة ضحايا داعش في العراق وسوريا وليبيا يقف موقف المتفرج على ما يحدث في نيجيريا من قبل بوكوحرام التي تمثل فرع داعش في غرب أفريقيا.