محمود الدنعو

لنا حكوماتنا ولهم حكوماتهم


عقب كل انتخابات في بلداننا العربية والأفريقية يتطلع الناس إلى التشكيلة الحكومية الجديدة لات حين جديد، تأتي الحكومة الجديدة التي تضمن في الغالب نفس الطاقم العتيق الذي ساهم في نيل الحزب الحاكم لولاية جديدة وعمر مديد، حتى وإن كان الأداء لهؤلاء الوزراء ضعيفا بل كارثيا في بعض الأحيان، حيث تعود نفس الأسماء ربما بعض التغيرات في المواقع ومع بعض الإضافات التي تقتضيها ضرورات التحالفات الجديدة أو على الأقل حتى تبدو الحكومة أمام الإعلام والجمهور أنها جديدة من خلال وجوه محددة، وإن بقيت بذات الترهل، وتطلعات الوزراء المحظوظين بالاستمرار في الحكومة تشرئب إلى زيادة الأجور والمخصصات، ناسين أو متناسين عمدا أنها خدمة للشعب تكليف وليس تشريفا كما تشير العبارة التي فقدت بريقها من كثرة التداول في سوق التصريحات وناسين أنهم يتقاضون أجرا على خدمة الشعب. وإذا كانت أجور هؤلاء الوزراء وكبار المسؤولين ترهق كاهل الخزانة العامة، فإن أنبل خدمة يمكنهم تقديمها للشعب تقليل الإنفاق الحكومي من خلال حكومة رشقية القوام ضامرة الحشا، بعدد أقل من الوزراء وبمصروفات أقل، ولكنها خدمة جيدة للشعب في الصحة والتعليم والأمن والعلاقات الخارجية.
صورة الحكومة المترهلة بجيش جرار من الوزراء والوكلاء والمديرين تتبعها حاشية من صغار الموظفين وكبار المتنفعين والمفسدين هي السائدة اليوم في الكثير من بلداننا العربية والأفريقية، ولكن في العالم المتقدم ثمة صورة مغايرة نقدمها ومع أمنيات بأن تحتذى، حتى وأن لم يكن وقع الحافر بالحافر، فعلى الأقل شيئا من حتى، فقبل أيام خرجت علينا صحيفة (صنداي تايمز) ببدعة جديدة، وهي ليست كلها ضلالة، بل حافز وأجر لمن اتبعها. ففي خطوة لافتة وغير مسبوقة في التاريخ البريطاني، أعلن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، تجميد رواتب الوزراء في حكومته لمدة خمس سنوات لمواجهة العجز في الميزانية. من المتوقع أن توفر مبادرة كاميرون 800 ألف جنيه إسترليني في العام، بإجمالي 4 ملايين إسترليني بحلول العام 2020. وقال كاميرون في مقال لصحيفة (صنداي تايمز) “كلنا مشاركون” في سداد الدين العام، مؤكداً أنه سيواصل اتخاذ القرارات الصعبة الضرورية لـ “خفض الإنفاق وحماية اقتصادنا”.
تلك هي صورتنا وهذه صورتهم، ولك أن تتخل الفارق بين وزراء دولة غنية يحرمون أنفسهم من أجل الحفاظ على أموال الشعب ووزراء دول فقيرة معدومة تظل شهيتهم مفتوحة لأي زيادة للأجور، حتى وإن لم توجد لاخترعوها على غرار قول الشاعر الرحال نزار قباني: “الحب في الأرض بعضُ من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترناه”،
هي صورتنا وتلك صورتهم، لنا حكوماتنا ولهم حكوماتهم !