تحقيقات وتقارير

تفجيرات (الدواعش) في السعودية “الفتنة الطائفية عبر جرس التنبيه الإنتحاري”

والأنظمة العربية تخرج من محراب الربيع العربي تجرجر في أذيال ثيابها بقايا مسميات كثيرة تم تداولها أيام المليونيات التظاهرية في نهار كل جمعة، (جمعة الغضب، جمعة الصمود، جمعة الرحيل وهكذا)، إلا أن الجمعة في المملكة العربية السعودية دون سواها كان ينتظرها كل المسلمين في بقاع الكون لمعانقة المشهد الروحي المهيب لتأدية شعيرة صلاة الجمعة في الحرم المكي الآمن، بيد أن أخبار التفجيرات التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية في القديح ثم الدمام حالياً، تجعل أصابع المسلمين تدير جهاز التحكم نهار (كل جمعة) لمعرفة ما الذي ينوي عليه الدواعش وقت الصلاة في السعودية.. وربما لأن السعودية الآن هي من تضع أقلامها على خارطة المنطقة (الشرق أوسطية) لإعادة تخطيطها وتسطير فواصل التوازن الدولي والإقليمي فيها، بعدما أعلنتها- أي السعودية- داوية لمحاربة الإرهاب وإيقاف النفوذ الإيراني وقطع حباله السرية التي تغذي الحوثيين.

الشيعة في السعودية
يقول مركز الأبحاث العقائدية إن بداية التشيع في الأحساء بدء ببدء الدعوة النبوية فقد أسلم أهالي الأحساء وهم بني عبد قيس على يد النبي صلى الله عليه وآله وإتبعوا الإمام علي وأبنائه من بعده وعددهم بالتقريب 3,600,000 وأماكن تواجدهم وهم يتوزعون على المنطقة الشرقية والمدينة المنورة ونجران وجيزان.. وأن المنطقة الواقعة على ساحل الخليج والتي كانت تُعرف أحياناً بالخط، أو البحرين أو القطيف، كان يقطنها ربيعة (عبد القيس وبكر بن وائل) ولكونها منطقة ذات خيرات زراعية كثيرة، وذات موقع ممتاز فقد سيطر عليها الفرس بإعتبارهم الدولة الأقوى القريبة من المنطقة، وولوا عليها واحداً من أبنائها كعامل ووالٍ وهو المنذر بن ساوي العبدي، ثمَّ في العام السادس من الهجرة بعث النبي (صلى الله عليه وآله) العلاء بن الحضرمي بكتاب إلى المنذر بن ساوي العبدي هذا نصه: (بسم الله ‏الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوي أما بعد، فإن من صلى صلاتنا، ونسك نسُكنا، وإستقبل قبلتنا، ‏وأكل ذبيحتنا فذاك هو المسلم، له ما لنا، وعليه ما علينا، له ذمة الله ورسوله، من أحب ذلك من المجوس فهو آمن، ومن ‏أبى فعليه الجزية).
فذهب العلاء إلى عبد القيس ـ وهم أسلاف هذه المنطقة وسكانها ـ ودفعها إلى المنذر العبدي ولم ينتظر المنذر كثيراً بعد أن قرأ رسالة النبي، وبعد أن أخبره العلاء بالمعالم العامة للدين بل أسلم وجمع قومه، ودعاهم للإسلام فدخلوا في دين الله أفواجا.

الخارطة المذهبية
يقول الكاتب والباحث حمزة الحسن في إحدى مقالاته المنشورة في الفضاء الإسفيري، إن الخارطة الدينية/المذهبية في المملكة متوائمة مع الخارطة السياسية المناطقية. فالمملكة تتشكل من أربع مناطق رئيسية: أولاً، في المنطقة الوسطى (نجد) حيث يغلب عليها المذهب الحنبلي بقراءته السلفية الوهابية. وعلماء المذهب هنا هم عماد المؤسسة الدينية الرسمية وهم من يسيطر على كل الحقول الدينية والقضائية والتعليم والتوجيه الديني والمساجد والأوقاف وغيرها. وفي المنطقة الغربية (الحجاز) ويغلب عليها المذهب المالكي والشافعي إضافة إلى وجود مجموعات دينية أخرى صغيرة من المذاهب الإسلامية الأخرى، بما فيها الزيدية والشيعة الجعفرية في المدينة المنورة، والشيعة الكيسانية في ينبع والفرق الصوفية. والحجازيون لهم مرجعية دينية خاصة بهم، ورموزاً دينية مثل السيد محمد علوي المالكي، ويميلون إلى المدرسة الدينية الأزهرية في مصر، ولهم تواصل مع شخصيات دينية عديدة في الخليج (الإمارات) وسوريا وغيرهما. أما المنطقة الجنوبية (عسير وجيزان ونجران) وهي منطقة فسيفسائية من حيث النسيج القبلي والمذهبي. فكل المذاهب الإسلامية توجد في تلك المنطقة، ويوجد في المنطقة الجنوبية المذهب الشافعي والمالكي إضافة إلى الزيدي، وتقطن نجران أغلبية ساحقة تنتمي إلى المذهب الإسماعيلي وله مرجعيته المحلية الخاصة به (المكارمة). وأخيراً المنطقة الشرقية (القطيف والأحساء) حيث تقطنها أكثرية شيعية، وهذه المنطقة حوت منذ قرون بعيدة مدارس دينية عديدة كانت قويّة وحاضرة حتى منتصف القرن الماضي، وكان على رأسها بيوتات معروفة حتى اليوم. فالمدرسة المالكية وجدت من يمثلها في بيت علم (آل مبارك) والشافعية في (آل عبد القادر) والأحناف في (آل الملا).

حديث الصحافة السعودية عن حادثة القديح
صحيفة (الوطن) أشارت إلى إحتمال تورط إيران وحليفها في لبنان (حزب الله) في تفجير القديح، وجاء عنوان صدر صفحتها الأولى (تفجير القديح.. تنفيذ داعشي بإشراف إيراني). وتقول الصحيفة إن (أداة الجريمة كشفت العلاقة المفترضة بين تنظيم الدولة (داعش) الذي ثبتت مسئوليته عن العملية وبين حزب الله وإيران اللذين يشتبه بتورطهما في المحاولة الفاشلة لتهريب مادة الـ(آر دي إكس) (RDX) شديدة الإنفجار إلى المملكة عن طريق الدولة المجاورة (البحرين). وأضافت الصحيفة أنه تم الكشف عن أن (الحزام الناسف الذي كان يرتديه الإنتحاري مصنع من المادة ذاتها)، كما لم ينكر الناطق بإسم الداخلية السعودية اللواء منصور التركي في رده على سؤال وجهته له الصحيفة (وجود الإحتمال السابق). زاوية أخرى ركزت عليها المتابعات الإخبارية الواردة في الصحافة السعودية اليوم تتمثل في عدم إعطاء الحدث صورة الإختراق الأمني، حيث إستنطق تقرير أعدته صحيفة (مكة) خبراء أمنيين أكدوا أن تفجير القديح (لا يمثل إختراقاً أمنياً بقدر ما كان إختياراً لهدف سهل غير متوقع متمثل في دور العبادة). كما أكد التقرير الذي أفرد مساحة واسعة للحديث عن القدرات الأمنية التي تتمتع بها الداخلية السعودية التي إستطاعت خلال 24 ساعة كشف هوية (الإنتحاري) منفذ التفجير الذي قالت إنه السعودي صالح القشعمي. قانون يجرم الطائفية والتحريض على الفتنة عاد إلى واجهة المشهد الإعلامي بعد ساعات قليلة من هجوم (القديح)، حيث جاء ذكره في عدة مقالات صحفية، وهو مطلب سابق كانت قد تقدمت به قوى مدنية شيعية، من أبرزها مهندس عودة المعارضة الشيعية للمملكة في 1993 الدكتور توفيق السيف الذي أكد أكثر أن الحل الوحيد لإيقاف الفتنة الطائفية هو في وجود ذلك القانون.

إستهداف الوحدة الوطنية
صحيفة (الرياض) السعودية إستدعت في تقرير مطول لها خطابات سابقة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز دعا فيها إلى التصدي لدواعي الفرقة وإعتبار الوحدة الوطنية خط الدفاع الأمامي ضد الفتن الطائفية. كما إستدعت الصحيفة حادثة الدلوة التي وقعت بمحافظة الأحساء في نوفمبر الماضي إثر تعرض حسينية للشيعة لهجوم مسلح إتهمت به السلطات تنظيم الدولة. وقالت الصحيفة إن السعوديين في حينه أبدوا مستوى من التلاحم الوطني والشعبي والديني. وفي ذات الإتجاه قال الداعية الإسلامي سلمان العودة في تصريح لـ(الجزيرة نت) إن التفجير الذي إستهدف مسجداً في القطيف لم يستهدف مسجداً بعينه ولا تياراً بعينه، بل إستهدف الوحدة الوطنية في المملكة والتعايش بين السنة والشيعة فيها. وأوضح العودة أن الإهتمام يجب أن ينصب في الوقت الراهن على إدانة (الجريمة) التي تمت أياً كان مصدرها رغم أن مصدرها أصبح واضحاً، وعلى الدعوة إلى التعايش السلمي بين السنة والشيعة رغم الخلاف العميق بينهما. وأكد أن الخلاف بين السنة والشيعة عميق ولا يُحل بالكلام الفضفاض والخداع، مشيراً إلى أن الجانبين تعايشا في المنطقة لأكثر من ألف عام. وقال العودة إن الجهة التي نفذت (جريمة التفجير في المسجد) تهدف إلى خلط الأوراق وإثارة صراع وإحتشاد طائفييْن، مشيراً إلى أنها تتجنب الإصطدام بالشيعة في إيران والعراق ولبنان وسوريا.

مسجد العنود في الدمام
أمس الأول (الجمعة)، فجر إنتحاري إسلامي متشدد متنكر في زي إمرأة نفسه خارج مسجد شيعي في شرق السعودية فقتل نفسه وثلاثة آخرين في ثاني هجوم من نوعه في المملكة.. وبحسب (رويترز) فقد يتسبب التفجير الذي أعلن تنظيم الدولة الإسلامية المسئولية عنه في تصاعد الإحتقان الطائفي في المملكة حيث تزايدت المشاعر المناهضة للشيعة بسبب حملة عسكرية ضد جماعة الحوثي الشيعية المتحالفة مع إيران في اليمن منذ مارس.. وقالت وزارة الداخلية السعودية إن إنتحارياً متنكراً في ملابس إمرأة فجر نفسه خارج مسجد العنود في مدينة الدمام خلال صلاة الجمعة.. وذكر شهود إن إنتحارياً كان يرتدي عباءة فجر نفسه في ساحة إنتظار السيارات بالمسجد عندما إشتبه الحراس الذين يفتشون المصلين في أمره.. وأضافت الوزارة أن أربعة أشخاص قتلوا في الإنفجار الذي تسبب في إشتعال النيران في عدة سيارات.
وذكر تنظيم الدولة الإسلامية في بيان أن الإنتحاري يدعى أبو جندل الجزراوي وأنه تمكن من الوصول إلى هدفه رغم الإجراءات الأمنية المشددة. من جانب آخر، قال الجيش الأمريكي يوم الجمعة إن تنظيم الدولة الإسلامية لا يمثل تهديداً كبيراً في السعودية وإنه لا يمكنه تأكيد إعلان مسئولية التنظيم عن التفجير الذي إستهدف مسجداً شيعياً.
وقال الكولونيل باتريك رايدر المتحدث بإسم القيادة المركزية بوزارة الدفاع (البنتاجون): (فيما يتعلق بالسعودية و(تنظيم الدولة الإسلامية) ليس لدينا ما يشير إلى أنهم يمثلون تهديداً كبيراً في الوقت الحالي)

السياسي