محاولة يائسة للكتابة بطعم الفاكهة..!!
< من الصفات التي تتبرع بها نساء السودان على الرجل الذي يبحث عن المرأة معدداً او مسافحاً أو مسامحاً بأن (عينو طايرة) وهي صفة تعرفها المرأة ليس في أخلاق الرجل، بل في تلفته وخلجاته وارتباكاته الصغرى والكبرى.. وهي من الصفعات المتوازنة في نون النسوة، وان كان الاكتساب يزيد حذقها وأوارها. ومما يعجبني في هذا الباب أنه برغم طول الوداد ما بين الشاعر ابن زيدون والأميرة الشاعرة ولادة بنت المستكفي من حب وصلة وعشق.. إلا أنها يوماً (ضبطته) (بطيارة العين هذه)..!! وقد رأت فيه ميلاً لجاريتها، فقالت في ذلك (قطع أخدر) أو على البديهة: ولو كنت تنصف في المودة بيننا لم تهوَ جاريتي ولم تتخير وتركت غصناً مثمراً بجماله وجنحت للغصن الذي لم يثمر ولقد علمت بأنني بدر السما لكن ذهبت لشقوتي بالمشتري < وقد أحزنتني قولتها (لشقوتي).. دعيه أيها الأميرة لشبيهه فإن أهلنا يقولون.. (كل فولة وليها كيال). وإن كانت الواقعة صحت أو كذبت لا تقلل من شاعرية صاحب (أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا). < هذه الأيام نسمع بمئات الأخبار عن قصص الزواج، ولكننا لم نسمع عن قصة جريحة واحدة تصلح فيلماً أو قصيدة أو مقالاً.. علاقات هذه الأيام ليست كأيامنا لا تنبت أزاهير الوداد ولا تدعو للتأنق الباهر والكفاح والرصانة.. علاقات هذه الأيام مثل بقايا الطعام والمناديل وأوراق الحلوى في البيوت الكبيرة علاقات فقط للسلوى والاعتياد، تعانق في الليل وترمى في الصباح. (كانت أخبار الأحبة سيدة الأخبار) عندما كنا نقرأ لسيد المعرة أبو العلاء ولسيد العرب المتنبيء.. وكنا نبتهج بأراجيز نزار: تحدثي عن كل ما يخطر في بالك من أفكار عن قطة المنزل عن آنية الأزهار عن الصديقات اللواتي زرت في النهار والمسرحيات التي شاهدتها والطقس.. والأسفار تحدثي.. عما تحبين من الأشعار عن عودة الغيم وعن رائحة الأمطار تحدثي إليّ عن بيروت وحبنا المنقوش فوق الرمل والمحار فإن أخبارك يا حبيبتي سيدة الأخبار عزيزي القاريء ما أجمل الحديث عن الأشياء الصغيرة بحب، مثلما هو جميل الحديث عن الأشياء الكبيرة باحترام. وبالمناسبة كان لنا صديق يُجلد في التظاهر ضد الاستبداد المايوي، واكن واقعياً اشتراكياً، وكان لنا صديق آخر يُجلد لأنه يكتب أشعار قباني على السبورة الوقورة ذاك يجلده الاستبداد وهذا يجلده التزمت. ما الذي استطيع أن أفعله من أجلك؟ أيتها السيدة التي بيني وبينها أسرار غير قابلة للنشر وذنوب صغيرة غير قابلة للغفران اني أفهم جيداً خلفيات حزنك لكنني لا استطيع أن أمنع أي انقلاب ينفذه نيسان ضد (تفاحتيك) المتمسكين بالسلطة. الى يوم القيامة ورغم تغييره العبارة المكشوفة الى التفاح، إلا أنه عوقب أمام الطابور الصباحي. (وبلماضة) شهيرة صاح وهو يتلوى: انت يا أستاذ جلدتني عشان التفاح أم دفاعاً عن السلطة المستمرة الى يوم القيامة بلا مشروعية. وحار الأستاذ في الإجابة، ولكن العقاب قد وقع.. ولم تسلم السبورة رغم ذلك من المعاتبات. < ويظل أجمل غناء أم كلثوم (أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدي) وتظل قصيدة توريت أجمل قصائد الحزن السياسي تأثيراً. وتظل مسرحية (سعاد) سيدة مسارح الطلاب والطالبات. وتظل الهلالية بهلال الهادي آدم أجمل المدن السودانية. ويظل الشعر بعد (الهادي) صخاباً ولكن بلا هدير، ومتعالياً ولكن بلا ثمر. ويظل لسان حال أصدقاءه وتلاميذه من القاهرة حتى حنتوب، وحتى مساء (حلة حمد) الدامع، هو لسان حال عبد الله العتبي وهو يرثي: أضحت نجدي للدموع رسومُ أسفاً عليك وفي الفؤاد كلوم والصبر يحمد في المواطن كلها إلا عليك فإنه مذموم < قلنا إلا الفاشر فضربت الفاشر. قلنا إلا البترول فضرب البترول. قلنا إلا ملكال فضربت ملكال. لم نقل إلا الخرطوم فبيعت الخرطوم للسماسرة والعمارات التي لا يسكنها أحد. عجبي لشعب يخرّب بيوته بأيديه ويطالب العالم بفاتورة حريقه. < يا أهل الأقاليم إن جاورتم أهل المدن فامسكوا عليكم ألسنتكم من غريب الكلام، فقد كان لنا صديق بالأهلية أم درمان الثانوية، جاءت به (شلاقته من الجزيرة) وتشاكس مع أحد أبناء حي الملازمين حين كانت الملازمين ألياذة الحارات، وهدده قائلاً: (ضربة واحدة والفليتة حول). فصار اسمه (فليتة) الى اليوم, وقد علم بها أستاذنا الراحل الشاعر محمد عبد القادر كرف، فحكى لنا قصة عبد الله بن مصعب الذي مرض فلم يزره أصدقاؤه واخوته فابرقهم شعراً: مالي مرضت فلم يعدني عائد منكم ويمرض كلبكم فأعود فسمي بعد ذلك (عائد الكلاب). عزيزي فليتة سلامات ومشتاقين. < أحد الأصدقاء أخبرني من غرائب (التوبة) نصيحته لأخيه المقارب للنبيذ والخمور وخاصة (العرقي) بالطريقة السودانية، ذلك الذي يحيل حلال التمر الى حرام الخمر. قال لم أترك له آية أو حديثاً أو تقريراً طبياً إلا قرأته له عن مضار الخمر ولكنه لم يتعظ.. وكنت أعرف عنه غيرته على زوجته وحسن تبعّله، فأرسلت له يوماً عن أصدقاء (الشربة) وعن زوجة المعاقر: (إياك وأخوان النبيذ.. فبينما أنت متوج عندهم مخدوم مكرم معظم.. إذ زلت بك القدم جروك على شوك السلم). وأتبعتها بقول الحكيم: وكل أناس يحفظون حريمهم وليس لأصحاب النبيذ حريم فإن قلت هذا لم أقل عن جهالة ولكنني بالفاسقين عليم وبعدها تفرس فيمن يحب طويلاً وأهرق الكأس الأخيرة. < كل إلحاح ما بين الناس والناس بغيض إلا إلحاح العبد بالدعاء ومسارعته في الخير، قال تعالى (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً). < ومن جميل الوداع في العامية: الفيهو زاد غيتنا أفرح بينا أمرق بره يوم جيتنا منو خترنا وفي البلد أم سلم بيتنا يا حليلو البباسم لي عفي سيتنا < دعاني الأخ الأديب خالد لقمان ذات يوم للمشاركة في برنامجه الناجح القديم (قناديل) سهرة بالتلفزيون حول العباسي. فوافقت بغير تردد فالعباسي لا يعصى له أمر ولقمان ومصر الشقيقة حبيبة العباسي، وعبر الحضور أبعث بالبرقية التالية لأحبابنا في شمال الوادي بعطر الراحل محمد سعيد العباسي: كذب الذي ظن الظنون فزفها للناس عن مصر حديثاً يفترى والناس فيك أثنان شخص قد رأى حسناً فهام به وآخر لا يرى والسر عند الله جل جلاله سوّى به الأعمى وسوى المبصرا يا من رعيت وداده وعددته درعاً إذا جار الزمان ومغفراً اسمع نصيحة صادق ما غيرت منه الخطوب هوى ولن يتغيرا < كان مولانا أبو رنات غير فكره الثاقب في القانون، أديباً ومحباً للثقافة. وكان يحفظ قصة شريح القاضي ويقصها دائماً على القضاة الجدد. وقد وجدت نصها في كتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد رحمه الله ورحم الله أبو رنات، فاحببت أن أوردها للذكرى والعبرة والتدبر (يحكى أن ابناً لشريح القاضي قال لأبيه: إن بيني وبين قوم خصومة فانظر في الأمر.. فإن كان الحق لي خاصمتهم وإن لم يكن لي الحق لم أخاصم ثم قص قصته عليه.. فقال شريح: انطلق فخاصمهم فانطلق اليهم فخاصمهم فقضى شريح على ابنه (أي حكم عليه) فقال ابنه له لما رجع الى أهله: والله لو اتقدم اليك بطلب النصح لم ألمك فنصحتني فقال شريح: يا بني والله لأنت أحب الي من ملء الأرض مثلهم.. ولكن الله هو أعز علي منك خشيت أن أخبرك أن القضاء عليك فتصالحهم على مال فتذهب ببعض حقهم. < بدأ السيد الرئيس عهده بالبشارة وبدأ الخريف عهده بالغيث الوافر وبدأ الشعب يوم أمس بالعشم وبقي حراك العقل والساعد وعجلات التنمية التي خلقت لتكفي الجميع من البحر إلى النهر.
رائع ياحسين خوجلي سلمت يداك وخضر ضراعك
ادب وشعر وفن وسياسية