محمود الدنعو

أمة من العباقرة واليوغا


الهند المدهشة دائما تقدم النموذج لدول العالم الثالث في العزيمة على النهوض من براثن الجهل والفقر والمرض، والتطلع إلى عوالم من التطور التقني والعلمي الذي يمكن عبره تسخير موارد الطبيعية لبلد شبه قارة، متعدد المناخات والموارد البشرية، لسكان يتجاوز عددهم المليار، تحسبهم أمماً متفرقة من حيث السحنات واللغات والديانات والثقافات، ولكنهم أمة واحدة وواعدة، كيف لا وهي أمة من العباقرة أو هكذا تصفهم الباحثة البريطانية أنجيلا سايني في كتابها الصادر حديثا بعنوان: (أمة من العباقرة، كيف تفرض العلوم الهندية هيمنتها على العالم).
الكتاب يسعى إلى سبر أغوار الظاهرة الهندية المدهشة، وهي التطور العلمي المذهل في بلد يبدو من الوهلة الأولى أنه فقير من دول العالم الثالث ولا سبيل إلى المقارنة بينه والعالم الأول المتطور، ولكن الأرقام الواردة في الكتاب تشير إلى أن واحداً من كل خمسة من العاملين في حقل الرعاية الطبية وطب الأسنان في المملكة المتحدة هو من أصل هندي، وأن واحداً من كل ستة علماء موظفين يحملون درجة الدكتوراه في العلوم أو الهندسة في الولايات المتحدة من أصل هندي، بل هناك من يذهب في الإحصاءات إلى أنه مع مطلع الألفية الجديدة كان ثلث المهندسين العاملين في منطقة وادي السيليكون هم من أصل هندي. ويدير الهنود 750 شركة من الشركات التقنية في أميركا، ويحتلون موقعاً أساسياً في الشركات العابرة للقوميات والقارات، ويقوم الهنود البارعون في علوم الحاسوب بإصلاح برمجيات الحاسوب للأميركيين، وينتج الكيميائيون الهنود عقاقير تنقذ حياة البشر يباع معظمها في أوروبا.. تلك عينة تدل على ما تملكه الهند من قدرات وإمكانات تجعلها قوة عظمى في مصاف أميركا وأوروبا واليابان، كأن قوة تنتشل الهند من مستنقع الفقر وتحولها إلى عملاق من عمالقة التكنولوجيا.
هذه الأمة من العباقرة، كما تشير الأرقام، تجمع بين المادة والروح، فبجانب الثراء المعرفي والعلمي التطبيقي تولي اهتماماً كبيراً إلى الجوانب الروحية، وهي تستعد الآن رغم موجة الحر الذي حصد أرواح المئات إلى الاحتفال بأول يوم عالمي لرياضة اليوغا الذي يصادف الحادي والعشرين من يونيو الجاري بعد اعتماد الأمم المتحدة رسميا ذلك في ديسمبر من العام الماضي.
ويهتم رئيس وزراء الهند الممارس لرياضة اليوغا يوميا بهذه الممارسة القديمة التي تجسد فسلفة التأمل والرياضة الجسدية والروحية التي تنتشر في الهند، فقد عُين لها وزير مختص بنشرها. وفي أول خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دعا المنظمة الدولية لإقرار اليوم العالمي لليوغا، وسيكون رئيس الوزراء مودي في مقدمة المشاركين في ممارسة هذه الرياضة في كبرى ساحات نيودلهي.