محمود الدنعو

فاقد الشيء لا يعين


القمة الراهنة للاتحاد الأفريقي التي تستضيفها جنوب أفريقيا أمامها ملف شائك يتعلق بأن الدولة المستضيفة للقمة الحالية للاتحاد تضيق ذرعا من استضافة الأفارقة الفارين إليها من بلدانهم التي تركوها بسبب الحرب أو الفقر أو الكبت السياسي بحثا عن فضاءات أرحب فاختاروا جنوب أفريقيا البلد الأفريقي صاحب الإمكانيات الاقتصادية الجيدة والمؤسسات الديمقراطية الراسخة ولكن الملاحظ أنه في الآونة الأخيرة كثرت أعمال العنف ضد المهاجرين الأفارقة إلى جنوب أفريقيا وهذا العام شهد عدة حوادث تنذر بالخطر في إطار سلسلة أعمال عنف ناجمة عن كراهية الأجانب أوقعت 8 قتلى في سويتو في يناير الماضي و7 قتلى في دوربان في أبريل بين المهاجرين الأفارقة.
القارة التي تصدر المهاجرين إلى أوروبا وتشتكي من جور وظلم الأوروبيين الذين لا يستقبلون المتسللين إليهم عبر قوارب الموت بالورود، تعاني من تنامي الكراهية ضد الأجانب، فالجنوب أفريقيون الذين ثاروا ضد الأجانب يتوهمون أنهم نالوا من ثرواتهم وفرصهم في العمل والعيش بعد أن فروا من بلدانهم، وطالما واقع المواطنين في أي دولة أفريقية بائس وفقير ومستقبلهم غير آمن، فإنك لا يمكن أن تجبرهم على احترام الأجنبي واحتضانه مهما كانت الروابط والصلات الجغرافية والتاريخية بين مواطني الدولة المقيمين والنازحين واللاجئين إليهم من دول الجوار القريب والبعيد في القارة الأفريقية.
ومن المفارقات أن القارة العاجزة عن إيواء هجراتها الداخلية مطلوب منها إعانة الاتحاد الأوروبي في مواجهة موجات الهجرات غير الشرعية إلى أوروبا؛ حيث يتوقع من القمة الحالية للاتحاد الأفريقي تقديم مقترحات تمهيدا للقمة الخاصة المرتقبة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي في سبتمر المقبل بهذا الخصوص.
معضلة أزمات الهجرات والنزوح الداخلي في القارة الأفريقية ليست الكراهية وعدم الاستقبال وإنما شح الإمكانيات لدى البلدان المستضيفة والكثير من الأزمات في أفريقيا هي أزمات طويلة المدى معمرة ومدمرة لا يعود الفارون منها إلى بلدانهم الأصلية حتى وإن وضعت الحرب أوزارها، لأنهم لا يأمنون على المستقبل ولا يضمنون استدامة الاستقرار وبالتالي يتحولون من نازحين ولاجئين إلى مقيمين، وهذا يشكل ضغوطا على الدول المضيفة لهؤلاء.
وعندما يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى طلب العون من الاتحاد الأفريقي للتعامل مع أزمة المهاجرين غير الشرعيين وينظر إلى الواقع الداخلي للقارة وأزمات النزوح واللجوء فيها يدرك بأنه أمام منطوق المثل الشهير (جيت يا عبد المعين تعين، لقيتك يا عبد المعين تتعان) بل إن الواقع يقول بأن فاقد الشيء لا يعطيه وبالتالي لا تتوقع أوروبا حلولا من الاتحاد الأفريقي لهذه الأزمة المعقدة وأن ينشغل الاتحاد الأفريقي بهمومه الداخلية أكثر.