محمود الدنعو

لا سوابق لديهم


أخطر ما في هجمات الجمعة الدامية التي وقعت في تونس والكويت وفرنسا وراح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى، على يد متطرفين، أنها جاءت جميعها من عناصر ليست لها ملفات أمنية، وهو ما عدَّه الكثير من وسائل الإعلام الدولية توجهاً جديداً لدى الجماعات المتطرفة، فبينما كانت تقوم بتنفيذ مخططاتها عبر أعضاء تنظيميين مطلوبين أمنياً، تسلم راية التنفيذ هذه المرة شباب لا سابقة أمنية لهم، ما يجعل من الصعب إحباط هجماتهم.

ولاحظ مراقبون حسبما أعلنت السلطات في كل من تونس وفرنسا أن الاعتداءات الدموية الجديدة نفذت من قبل عناصر جديدة لم يسبق أن كانت لها سجلات أمنية، بمعنى آخر، أنهم بعيدون كل البعد عن أعين الأمن، ولا يتوقع منهم الإقدام على أي أعمال إرهابية، إذ لم تكن لهم سوابق.

ولعل هذا ما يفسر حالة التأهب القصوى التي وضعت فيها الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا والكثير من البلدان عقب وقوع هذه الهجمات، وفي ظل نشاط ما بات يعرف بالذئاب المنفردة أو الضالة، فضلاً عن الذين لا سوابق لهم تصبح القبضة الأمنية أكثر صرامة والإجراءات أكثر تشدداً في الكثير من المواقع، وهنا يتضرر المسلمون المنتشرون في الكثير من البدان الغربية وحتى في البلدان العربية، حيث أغلقت الكويت عشرات المساجد بعد حادث التفجير مسجد الإمام الصادق.

إذن هو الإرهاب يطل برأسه مجدداً في جمعة اكتست باللون القاني تفرق فيها الدم في ثلاث قارات ليرسم مشهداً قاتماً في شهر رمضان الكريم، ويعيد السؤال عن جدوى الاستراتيجيات التي تعمل عليها البلدان الغربية من أجل الحد من هذه الظاهرة التي تحتاج طريق ثالث للتعامل معها بعد فشلت الطرق الأخرى في الحد من هذه الظاهرة التي تهدد العالم أجمع بلا استثناء، حيث تشير صحيفة الاندبندنت البريطانية في افتتاحيتها ليوم أمس السبت إلى أن التعامل مع التطرف الديني بعنف مفرط أو تساهل مخل يبدد فرص القضاء على هذا الوباء.

ويبقى الأمل أنه مع كل هذا الدم المسال عبر ثلاث قارات، وهذا الرعب المشاع المقترن زوراً وبهتاناً بالإسلام، إلا أن الوعي في الغرب اتسع بضرورة التفريق بين الإسلام ومنفذي هذه الأعمال، حيث نبهت الصحيفة البريطانية نفسها إلى الخلط بين هذه الأعمال البشعة والإسلام، أحد أعظم الديانات في العالم، فهناك الكثيرون من غير المسلمين يقتلون باسم الدين، وباسم أيديولوجيات أخرى، مثل قاتل المصلين في كنيسة تشارلستون، في الولايات المتحدة. فعناصر تنظيم (الدولة الإسلامية) ربما يعتقدون أنهم وحدهم المؤمنون الحقيقيون، ولكن هناك الملايين من المسلمين في العالم لا علاقة لهم بهذا التنظيم القاتل.