الضاد أولا
تعبِّر الكثير من النخب الفكرية والسياسية العربية عن مخاوف واقعية بتراجع اللغة العربية عن حياتنا اليومية في ظل ثورة في مجال الاتصالات والتواصل الاجتماعي التي تستخدم في الغالب اللغة الإنجليزية أو لغات هجين, ورموز وشفرات في الرسائل النصية عبر المحمول واللوحي وعبر مواقع التواصل الاجتماعي بالانترنت، ومن أخف أضرارها على اللغة أنها تنهي سلطة النحو والصرف وتطلق العنان لنحت مصطلحات وعبارات وتراكيب جديدة في البناء اللغوي, وبالتالي فإن الأجيال القادمة ستعيش أزمة غياب استخدام اللغة ليس في شكلها الكلاسيكي العتيق الذي تشتم منه رائحة أبعار الإبل في الصحراء, ولكن حتى اللغة الحديثة أو ما بات يعرف بلغة وسائل الإعلام وهي منزلة وسطى بين الفصحى والمحكية العامية، حتى هذه بكل هنات المذيعين ومقدمي البرامج التلفزيونية والإذاعية وكل تجاوزات الكتاب والصحافيين, سوف تصبح في يوم ما أمراً بعيد المنال بعد ما ينال اللغة ما ينالها من التشوهات. فاللغة العربية التي شرفها الله تعالى بالقرآن الكريم يجب أن يكون أهلها وحراسها على قدر هذا الشرف الرفيع في الحفاظ عليها من المخاطر التي تتهددها.
قد يبدو ما نشر من إحصائيات في كتاب (حقائق العالم) لقائمة العشر لغات الأكثر انتشارا في العالم من حيث عدد المتكلمين فيها ونسبتهم من عدد سكان العالم مبعثاً على التفاؤل بمستقبل اللغة, ولكنه لن يسكت أجراس الإنذار بأن هناك خطراً ما يهدد هذه اللغة، هذه الإحصائيات وضعت اللغة العربية في المركز الرابع بنسبة عدد متحدثيها في العالم الذين يشكلون (6.6%) وحلت الإنجليزية الأولى بنسبة (25%) وتليها الصينية بـ (18.05%) والهندية بـ (11.51%)
طبعاً هذا المعيار اعتمد عدد المتحدثين وبالتالي من الطبيعي أن تحل الصين والهند ثانياً وثالثاً، بينما لغات مهمة ومؤثرة في المستويات الثقافية والاقتصادية والسياسية في العالم تأتي في مراكز متأخرة مثل الفرنسية التي حلت في المركز التاسع والألمانية في المركز العاشر.
استحقت الإنجليزية المركز الأول لأنها أصبحت هي لغة التواصل بين العالم حاليا, ولكن عند قياس اللغات من حيث القيمة والأثر الحضاري على البشرية، نجد أن لغة الضاد هي الأولى لأنها لغة القران الكريم، وتسحق لغات مثل الفرنسية التي لها حضور قوي في مجال الإنتاج الأدبي والفلسفي في العالم أن توضع في مراكز متقدمة، وكذلك اليابانية مع محدودة انتشارها, ولكن أثرها في مجال العلوم والتكنلوجيا والصناعات لا يمكن إغفاله أبدا.
إذن المركز الرابع للغة العربية ربما يبعث بعض الطمأنينة في نفوس المشفقين على تراجع لغة الضاد عن المشهد العالمي في ظل انجذاب الشباب إلى اللغات الأجنبية وهجر لغة الأم.