محمود الدنعو

أمة في العتمة


أينما يممت وجهك أو مدَدتَ بصرك، يَرتد إليك خاسئا وهو حَسير من كآبة المنظر وسوء المُنقلب لبلاد كانت حتى الأمس القريب “آمنة مُطمَئِنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان”، يذهب فيها الطلبة إلى مدارسهم وجامعاتهم، والعمال إلى مصانعهم والفلاحون إلى حقولهم والفنانون إلى مسارحهم والأطباء إلى مستشفياتهم، والنجارون والحدادون والسائقون والسائحون والسارقون والمتسولون كل إلى مقاصدهم يصلون الليل بالنهار لتوفير لقمة العيش لهم ولعائلاتهم.
فجأة وجد المواطن العربي نفسه وقد خرج من حفرة الاستبداد إلى دُحديرة الإرهاب وسط النار والدمار في حروب بالوكالة مُتنقِلة من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع، يقودها غرباء الوجه والقلب واللسان يرفعون رايات تحمل اسم الله ورسوله، يقتلون بعضهم بعضاً قبل أن يقتلوا خصومَهم وأعداءهم يدعون أنهم يحكمون باسم الله، فيذبحون الناس باسم الله ويدمرون البيوت ويجرفون الآثار ويقطعون الأشجار ويحرقون الأطفال ويُمثِّلون بالجثث وينبشون القبور ويصلبون الرجال ويَسبون النساء ويسوقوهن فرادى وجماعات إلى الأسواق حيث دور الجهاد بالنكاح المنتشرة على تخوم (الدولة) باسم الله.
جاء الغُرباء وشُذاذ الآفاق من كل فج عميق مهاجرين (في سبيل الله) ليقيموا (دولة الايمان)، فرفعوا القرآن على أسنة السلاح وجاسوا بدبابات الهمر (الفل اوبشن) التي تسلموا مفاتيحها من الفرار المذعورين أمام جَحَافِلهم الديار وفتحوا الحدود ودمروا السدود يقتلون ويقتلون يكفرون أهل الديار المحتلة فيسلبونهم أموالهم ويُصادرون بيوتهم وسياراتهم ويتزوجون بناتهم ويسبون نساءهم.. إنها العَتمة التي تلف الآفاق وسط سَخَمِ أعمدة الدخان من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان.
فرغت للتو من قراءة كتاب صدر حديثا عن دار الساقي بعنوان (داعش .. عودة الجهاديين) للصحفي البريطاني (باتريك كوكبيرن)، وهو كتاب على درجة كبيرة من الأهمية يعرض فيه الكاتب وهو مراسل لصحيفة (انديبندنت البريطانية) نشوء (الوحش فرانكشتاين) في بغداد والشام، وكيف استطاع هذا الوحش مد مخالبه ووضع أقدامه على مساحة تعادل مساحة المملكة المتحدة بعد أن سيطر على أسلحة وذخيرة غنمها نحو 1300 عنصر فقط من مقاتليه احتلوا الموصل خلال ساعات مقابل جيش يفوق تعدادة 350 ألف جندي و650 ألف شرطي أُنفقت عليه أموالٌ تتجاوز الأربعين مليار دولار خلال ثلاثة أعوام.
ويرجع (كوكبيرن) الفضل في نجاح داعش إلى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي فعل كل ما في وسعه لتهميش السنة ودفعهم مجبرين إلى أحضان داعش.
ويورد الكاتب قصصا تشرح أسباب اندحار الجيش العراقي أمام عناصر داعش بعد أن خلعوا ملابسهم العسكرية وتركوا أسلحتهم، مشيرا إلى أن قادتهم كانوا طوال السنوات الماضية يستولون على الأموال المخصصة لإطعام جنودهم وتسليحهم.
إبراهيم ملحم – كاتب فلسطيني