ماذا تبقى من الحكم الراشد..!!
قبل مائة وثلاثين عاماً كان الإمام المهدي يكتب رسالة تكليف لابن عمه الأمير محمد خالد زقل..الإمام اختار زقل والياً على دارفور ..خطاب تكليف يجسد الفدرالية التي نبحث عنها الآن..الإمام وضع الخطوط العريضة للوالي الجديد في خطاب جاء فيه ” وأن لاتُقدم على أمْرٍ حتى تعلم حكم الله فيه، وأن تَسْلخ حُبَّ الدنيا من قلبك، وتُجاهد نفسك على ذلك دائماً. وأوصيك إذا عُرِض عليك أمران أحدُهما للدنيا والآخر للآخرة، فَقَدِّم ماهو للآخرة واترك ماهو للدنيا.”..هنا وضع الإمام المهدي المنهج العام وفوض الوالي في إدارة التفاصيل.
قبل أيام نشرت الزميلة “الاهرام” خبراً يفيد أن الحزب الحاكم منع ولاة الولايات الجدد من تشكيل حكوماتهم..الحزب الحاكم كوَّن لجنة تضم نائب رئيس الحزب المفتش إبراهيم محمود بجانب الأمين السياسي حامد ممتاز وأمين التنظيم دكتور فيصل بجانب القيادي الشريف ود بدر..اللجنة الرفيعة تقوم بإعادة تصحيح أوراق الولاة ثم رفعها لرئيس الجمهورية لإجازة وزراء الولايات.
قبل سنوات وبعد تطبيق نظام الحكم الفدرالي كانت الولايات تتمتع بحق انتخاب حكامها بشكل مباشر..الوالي المنتخب يتمتع بسند وتفويض شعبي..ذات الوالي المنتخب يقوم بتكوين حكومته بالتشاور مع المركز..صحيح هذه الممارسة كانت منقوصة وديكورية في كثير من القوالب..رغم ذلك جعلت المواطنين في الأمصار يَرَوْن أبنائهم على سدة الحكم ويستشعرون أن السلطة باتت قريبة منهم..ولهذا السبب كان التنافس في الانتخابات التمهيدية لاختيار الوالي قوياً على نطاق المؤتمر الوطني.
بجرة قلم واحدة تم الغاء الحكم الفدرالي.. الآن الولاة يعينون مركزياً..وضعت شروط تعسفية تمنع الوالي أن يحكم ولايته التي يعرفها..حتى الضباط الإداريين خروجوا من نطاق سلطات الولاية وباتت حركة تنقلاتهم مركزية ..وكذلك الشرطة الولائية الآن في طريقها نحو المركزية..داخل ولاية الخرطوم وزارة الصحة الاتحادية تتمدد لتعود لتشرف على الخدمات العلاجية داخل المشافي الكبيرة بحجة التنسيق.
في تقديري.. حكومتنا تسير على عكس عقارب الساعة..في كل مكان في الدنيا يتم اعتماد إدارة التفويض..في كل دول العالم الحكومة الاتحادية جهاز صغير يشرف على الجيش والعلاقات الخارجية..كل ولاية تضع القوانين التي تناسبها..لنا أسوة في دولة الإمارات العربية..الإمارات تتنافس في فعل الخيرات ..هناك أكثر من ثلاث شركات طيران كلها تفخر بأنها الناقل الوطني لدولة الإمارات ..في هذه الدولة العربية التي ولدت في سبعينات القرن الماضي الاتحاد يزداد كل يوم قوة..بينما نحن نزداد وهناً على وهن بسبب العقلية القابضة.
بصراحة.. ليس من اليسير أن تنزع من المواطنين حقوقاً استمتعوا بها زمناً ليس بالقصير..المركزية القابضة وسياسة الوصايا على الناس ستمزق ما بقي من وطن.