مع الكابلي في واشنطن
قبل سنوات زارنا الفنان الكابلي في مدينة فلادلفيا لإحياء حفل بمناسبة أعياد الاستقلال.. تلفت الفنان الرائع يمنة ويسرة بعد أن اعتلى المسرح.. لمح بين الحضور بعض من الأمريكان من أهل البلد.. استأذن الكابلي أن يرتجل كلمة يحيي بها هؤلاء ويعرفهم بسوداننا.. ألقى الرجل خطبة رصينة ورائعة وفي لغة إنجليزية رفيعة.. كان الرجل في تلك الليلة خير سفير للسودان.
منذ أن وطأت أقدامي هذا البلد قبيل ثلاثة أسابيع كنت أتبع أخبار الفنان الكبير.. عرفت أن الجالية السودانية في واشنطن احتفت بتدشين أحد كتبه في ليلة جامعة.. أمس الأول كان عاطف البوشي أحد وجهاء السودانيين في واشنطن يحقق لي أمنية مقابلة كابلي.. البوشي دعا جمع غفير من السودانيين بمختلف أطيافهم الجهوية، وألوانهم السياسية، لتناول وجبة إفطار رمضاني في داره العامرة في ولاية فرجينيا.. هنالك قابلت الفنان الكبير.
منذ اللحظة الأولى لحظت أن تقادم السنوات قد ترك أثرا على هيئة الفنان الكبير.. بدا الكابلي نحيفا مقارنة بآخر مرة قابلته فيها.. ما أن تحدث الرجل حتى أيقنت أنه في كامل حيويته.. غير مرة استدل في حديثه بمقولات فلاسفة وأدباء عالميين.. بعد أن فرغ من تلقي التحايا المقرونة بالاحترام الوافر دنوت من مجلسه العامر.
أخبرني الكابلي عن أشواقه للسودان.. أكد أن ما يمنعه بعض المتابعات الطبية حيث يعاني بعض آلام الظهر، ويخضع إلى علاج طبيعي مكثف.. رغم الغربة ألف الأستاذ الكابلي كتاباً باللغة الإنجليزية عنوانه (أنغام لا ألغام في مسيرة الفن الأفريقي).. كتاب آخر في مرحلة اللمسات الأخيرة يحوي بعضاً من تجاربه في مسيرة حياة حافلة بالنجاح.. لم ينس الكابلي الفن فقد أعد أوبريت عن شرق السودان عنوانه (قلية بن).. أوضح لي الفنان أنه غنى كثيرا للسودان، وتغزل في جمال مروي، ويريد الآن أن يلتفت إلى أهله في شرق السودان.
في تقديري أن الفنان الكابلي ثروة قومية.. بقاء الرجل في الخارج رغم الظروف المرضية أمر غير مقبول.. من واجب الدولة أن توفر لفنانا ما يحتاجه من علاج على أن يعود في أسرع وقت ممكن.. الكابلي ليس ملكا لأسرته الصغيرة.. سنوات طويلة أسعد فيها الرجل شعبنا الكريم، وحان الوقت لرد الجميل.
في شهر سبتمبر المقبل سيكون هنالك وفد سوداني في نيويورك؛ لحضور فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة.. أتمنى أن يخصص ذلك الوفد الكريم وقتا لزيارة الكابلي في داره في فيرجينا، وتكريمه التكريم اللائق.. الحكومات الذكية تكرم نفسها حينما تختار الشخص الذي يستحق التكريم.
أتمنى أن يتلفت والي الخرطوم الجديد ويطلق اسم الكابلي على أحد الشوارع الجديدة في مدينة بحري التي تحوي منزله.. بعض حراس البيروقراطية يرفضون تسمية الشوارع بمن هم على قيد الحياة فينتظرون موتهم حتى يمنحونهم ذاك التكريم الذي يستحقونه.. أرجوكم اجعلوا الكابلي استثناء.