إسرائيل” وجنوب السودان.. تحالف الارتزاق وانتهاك القانون الإنساني
احتفلت جمهورية جنوب السودان حديثة العهد والولادة بالعيد الوطني الرابع لها في التاسع من شهر يوليو الجاري. ويتكون سكان جنوب السودان من أتباع الديانتين والمسيحية والإسلام واتباع الديانات الأفريقية التقليدية والوثنيين الذين يمثلون الأقلية من السكان. ومعظم المسيحيين هم كاثوليك وأنجليكان، على الرغم من نشاط الطوائف الأخرى أيضاً، في آخر إحصاء رسمي قديم نجد أن الكتاب السنوي للتبشير في عام 1981 والذي يصدره مجلس الكنائس العالمي يقرر أن 2% من أهالي الجنوب (وثنيون لا يؤمنون بأي دين)، والبقية 18% مسلمون و80 % مسيحيون بينما تنتشر المسيحية في الولايات الأخرى.
يعد التاريخ السياسي لجنوب السودان من الملفات المهمة لفهم طبيعة السودان الخاصة، حيث تضافرت مجموعة من العوامل على تقسيم السودان معنوياً قبل أن تصبح حدودياً في القرن التاسع عشر عندما استعمرت بريطانيا السودان مع مصر. قامت السياسات الاستعمارية على إظهار الاختلافات الإثنية واللغوية والعرقية والدينية، وفرقت المملكة المتحدة في التعامل مع الجنوب والشمال في قضايا أهمها التعليم، فبدأت تظهر الاختلافات الثقافية وساد اعتقاد لدى الأوساط المسيحية في الجنوب أن الشماليين هم تجار رقيق.
وبعد جلاء القوات البريطانية من السودان طالب الجنوبيون أن يكون لهم نظام خاص لهم داخل الدولة السودانية الموحدة، وهو الأخذ بنظام الفدرالية، ولكن الحكومة رفضت الاقتراح معللة أنه يؤدي إلى انفصال الجنوب كتطور طبيعي.
الدور الإسرائيلي في استقلال جنوب السودان عن السودان الأم لم يعد خافياً سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي وحتى العسكري، لكن الجديد في هذا الدور الذي يتعدى حدود التحالف والوكالة بعد استقلال جنوب السودان، الاتهامات التي وجهتها أوساط إسرائيلية إلى حكومة بنيامين نتنياهو بمساعدة حكومة جنوب السودان على ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من خلال مواصلة مدّها بالسلاح الذي تستخدمه في الحرب التي تشنها ضد المناطق التي استولت عليها حركة المتمردين بقيادة رياك مشار. وطالبت الأوساط الحكومة الإسرائيلية بالتوقف عن تزويد جنوب السودان بالسلاح، بعد اتهام قيادات بارزة فيها بارتكاب جرائم حرب ممنهجة بحق السكان في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.
إسرائيل تواصل عقد صفقات السلاح مع جنوب السودان، على الرغم من إصدار منظمات حقوق الإنسان الدولية تقارير تؤكد ارتكاب جيشها جرائم حرب ضد الإنسانية.
وتقول صحيفة “معاريف” إن عمليات الاغتصاب التي ينفذها جنود جيش جنوب السودان ضد نساء وقاصرات، تتم عبر تهديدهن بالسلاح الذي تصدره إسرائيل إلى هذه الدولة. كما تقوم إسرائيل بتدريب جنود جيش جنوب السودان في قواعد داخل إسرائيل وفي جوبا، وتمنح وزارة الحرب الإسرائيلية تراخيص لشركات السلاح الإسرائيلية بتصدير السلاح إلى هذه الدولة بشكل مباشر، وعبر دول أفريقية أخرى، ولا سيما أوغندا.
تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، تؤكد قيام جنود جيش جنوب السودان بعمليات اغتصاب لفتيات صغيرات وحرق جثثهن بعد ذلك. وعشرات الآلاف من الأشخاص قد قتلوا في الصراع الدائر في جنوب السودان منذ عام ونصف، في حين تم اقتلاع مليوني شخص من منازلهم، ربعهم فر إلى دول مجاورة، في حين أن ثلث سكان الدولة باتوا في حاجة إلى المساعدات الإنسانية.
عضو الكنيست تمار زندبيرغ (ميريتس) توجهت إلى وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعالون، وطالبته بوقف تصدير السلاح إلى جنوب السودان، مشيرة إلى أن عمليات الاغتصاب التي تتعرض لها النساء هناك، تتم تحت تهديد البنادق التي تزود بها إسرائيل جنود رئيس جنوب السوداتن سيلفا كير ميارديت.
ونقل موقع “والا” عن زندبيرغ قولها إنه “على الرغم من أن لإسرائيل جملة مصالح إستراتيجية مهمة في جنوب السودان، إلّا أنّه يتوجب وقف تصدير السلاح لها، بسبب ما يتمخض عن ذلك من ضرر بالغ”.
ولفتت زندبيرغ الأنظار إلى حقيقة أن لإسرائيل تاريخاً في التعامل مع “أنظمة ظلامية” مثل نظام الحكم في جنوب السودان. وألمحت زندبيرغ إلى أن أحد أهم أسباب حرص تل أبيب على الحفاظ على العلاقات مع هذا البلاد، “حقيقة أن هذه الدولة تساعد إسرائيل في مراقبة المسارات التي تسلكها إرساليات السلاح إلى قطاع غزة”.
ومعلوم أن كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قررا وقف صادرات السلاح إلى جنوب السودان، بعد اندلاع المواجهات بينها وبين قوات المتمردين . وقد وقع الرئيس باراك أوباما على مرسوم رئاسي يقضي بفرض عقوبات على مسؤولين في جنوب السودان وقادة متمردين متهمين بالمشاركة في ارتكاب جرائم الحرب، في حين أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أعلن أن الولايات المتحدة اعتمدت مخصصات مالية لتشكيل محكمة دولية خاصة للتحقيق في جرائم الحرب التي ترتكب هناك.
صحيفة “هارتس” ذكرت أن إسرائيل ترفض الكشف عن حجم صادراتها من السلاح إلى جنوب السودان، إذ أن وزارة الأمن تقدّم معطيات إجمالية حول تصدير السلاح لأفريقيا بشكل عام. ونوهت الصحيفة إلى أنه، بحسب معطيات الوزارة، فإنّ قيمة صفقات السلاح مع الدول الأفريقية، قفزت من 107 ملايين دولار عام 2010 إلى 318 مليون دولار، خلال عام 2014. وبحسب الصحيفة، فإن عناصر جيش جنوب السودان يستخدمون حصرياً بندقيتي “جاليلي” و”تفور” اللتين تنتجهما الصناعات العسكرية الإسرائيلية.
وقد زار وفد من جنوب السودان إسرائيل في يونيو الماضي، للمشاركة في معرض السلاح الإسرائيلي “آي اس دي إي أف”، إذ رأس الوفد وزير المواصلات في جنوب السودان، مع العلم أن وفدًا من هذه الدولة حضر معرضًا نظّم قبل ستة أشهر، يتعلق بالوسائل التي تضمن الحفاظ على الأمن الداخلي
الصيحة