بكين تفتح أحضانها وخزائنها للخرطوم
خطفت زيارة رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” إلى جمهورية الصين الشعبية الأضواء بشكل كبير عن غيرها من المواضيع التي تدور في الساحة السودانية، وما عاد الحديث هنا في السودان إلا عن تلك الزيارة والإنجازات الاقتصادية والسياسية التي حققتها، وما صاحبها من ضجيج أمريكي أخمدته الصين في حينه.. وفي اليوم الثاني للزيارة كثّف الرئيس “البشير” والوفد المرافق له من نشاطاته حيث التقى برجال الأعمال الصينيين، وشهد توقيع عقود شراء طائرتي (أيربص) وقطاري ركاب من الصين، هذا بجانب حضوره توقيع اتفاقيات في مجال الاتصالات والفضاء، وينتظر أن تساهم تلك الاتفاقيات والمباحثات السودانية الصينية في تحريك عجلة التنمية والاقتصاد في السودان، لتؤكد فعلاً حديث “البشير” الذي أشار صراحة إلى أن السودان اتخذ القرار الصائب باتجاهه شرقاً لرسم شراكات اقتصادية وسياسية مع بلدان على شاكلة الصين الشعبية.
{ طائرتا (أيربص) وقطارا ركاب
في محاولة لإيجاد حلول في مجالات النقل المختلفة بالسودان (بري ـ جوي ـ بحري) وقعت الحكومة مع الصين عقود لشراء طائرتي أيربص لصالح شركة الخطوط الجوية السودانية “سودانير”، وقطارين لنقل الركاب بين العاصمة الخرطوم ومدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة، وإنشاء خط جديد للسكة الحديد، وعقداً لصيانة الوابورات، حيث شهد مراسم التوقيع رئيس الجمهورية “عمر البشير”.. ووقع البلدان أيضاً على اتفاقية إطارية بين الخطوط البحرية وشركة صينية، واتفاقية أخرى لإقامة مشروع المنطقة الحرة في مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، واتفاقية ثالثة لصالح شركة (جياد) تقوم على تجميع السيارات والشاحنات.
{ استكشاف الغاز الطبيعي بالدندر
من الثمار التي جناها السودان من الزيارة هي رغبة الشركة الوطنية الصينية في العمل بالسودان لاستكشاف الغاز الطبيعي في منطقة الدندر بولاية سنار، حيث أبدى رئيس الجمهورية ترحيباً كبيراً بالشركة ممتدحاً المساهمات الكبيرة لشركة الصين الوطنية في دعم الاقتصاد السوداني. ولم توقف الإنجازات الاقتصادية عند هذا الحد، فقد أبدت شركة الصين الوطنية النفطية رغبتها في زيادة استثماراتها بالسودان وجاهزيتها والتزامها بالعمل على زيادة الإنتاج في مجال النفط، وقال وزير النفط والغاز الدكتور “محمد زايد عوض” إن الشركة تقدمت بعرض للعمل في مجال استكشاف الغاز الطبيعي في (مربع 8) الواقع في منطقة الدندر بولاية سنار، وكشف عن اتجاه لتوقيع اتفاقية بين الجانبين لاستغلال الغاز المكتشف في هذا المربع.
{ طلب مستجاب
طلب “البشير” من الشركة الصينية زيادة استثماراتها في السودان وتوسعتها بالتركيز على زيادة الإنتاج في الحقول المنتجة، وعلى الفور أعلنت الشركة استجابتها بزيادة استثماراتها في السودان، وعدّ وزير النفط التعاون النفطي بين السودان والصين داعماً كبيراً للخطط المستقبلية لقطاع النفط ضمن إستراتيجية دعم الاقتصاد الوطني، وقال: (لقد أنتجنا منذ العام 1999 العام الذي شهد بداية عملية التصدير حوالي “12%” فقط من الاحتياطي المكتشف الذي لا يزال موجوداً في باطن الأرض)، متعهداً بمواصلة العمل لزيادة الإنتاج في الحقول، بجانب التوسع في النشاط الاستكشافي في المربعات الجديدة، وقال إن الشركة الصينية الوطنية تفكر حالياً في إقامة مصنع للسماد في (مربع 8) للاستفادة من الغاز المستخرج، خاصة وأن تلك المناطق زراعية.
{ شراكة إستراتيجية
عدّ رئيس الجمهورية “عمر البشير” قرار توجه السودان نحو الصين لتعزيز التعاون والتبادل ودفع الاقتصاد قراراً موفقاً وحكيماً تؤيده المصالح المشتركة، وأضاف إن الصين ما تزال تؤدي دوراً كبيراً في دفع اقتصاد البلاد، وقدمت العلاقات الثنائية التي حققت نجاحات كبيرة ومشهودة نموذجاً لدول الجنوب، وأشار الرئيس في اللقاء الخاص الذي جمعه برجال الأعمال الصينيين والسودانيين الذي التأم أمس (الأربعاء) إلى أنه وقع مع الرئيس الصيني “شي جين بينغ” إعلان إقامة (شراكة إستراتيجية) لتعزيز التعاون الثنائي وتحقيق الفوز المشترك، مؤكداً أن العلاقات الثنائية في تطور مستمر منذ تأسيسها قبل (56) عاماً، وحققت ازدهاراً ملحوظاً في شتى المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والثقافية والعسكرية وغيرها، مضيفاً إن الحكومة تعمل الآن على جذب استثمارات صينية جديدة وخلق فرص تنمية من خلال تشكيل لجنة عليا لمتابعة العلاقات والمصالح بين البلدين برعايته شخصياً وعدد كبير من الوزراء. وقال إنه تعهد خلال لقائه بالرئيس الصيني على دعم وتشجيع الشركات والاستثمارات الصينية في السودان وتوفير الاحتياجات اللازمة لإتمام المشاريع التي تتماشى مع مصلحة البلدين والشعبين.
{ السودان مفتاح أفريقيا للصين
ومضى “البشير” ليقول إن العلاقات السودانية الصينية قدمت مساهمة كبيرة في تشجيع الدول الأفريقية للتوجه نحو الصين بعد الإنجازات المهمة التي حققتها الاستثمارات الصينية في السودان، ومنها على سبيل المثال مشاريع شركة (بتروتشاينا) الاستثمارية في قطاع النفط التي جذبت أنظار الدول الأخرى خاصة في أفريقيا. وقال إن الصين طرحت العديد من المبادرات التعاونية مع القارة السمراء، منها منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي يعد الإطار الرئيسي للتشاور والحوار بين الصين والقارة الأفريقية. وأوضح “البشير” أن شركاء أفريقيا في الماضي هم الدول الاستعمارية التي نهبت ثروات الدول ووضعت القيود والشروط لتحقيق مصالحها الخاصة فقط على حساب مصالح الدول الأفريقية، لكن منذ دخول الصين إلى السودان وأفريقيا، وجدت تلك الدول صديقاً حقيقياً وشريكاً يعمل على تبادل المنافع دون شروط تعجيزية، وأشار إلى أن السودان كان من أوائل الدول التي دعت للتعاون مع الصين.
{ تعاون براجماتي
وبدوره أطنب الرئيس الصيني “شي جين بينغ” على شكل العلاقة بين بلاده والسودان، موضحاً أن البلدين يتفهم كلاهما الآخر ويدعمان بعضهما بعضاً منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما قبل (56) عاماً، وأحرزا إنجازات مثمرة في تعاونهما البراجماتي، ووصف الإعلان المشترك الذي أصدره البلدان حول شراكتهما الإستراتيجية بأنه معلم مهم آخر في تاريخ علاقاتهما الثنائية، وتابع بأن الصين تقدر صداقتها بالسودان وأنها تود بذل جهود منسقة مع الدولة الأفريقية لمواصلة تعزيز الشراكة الإستراتيجية. ودعا الرئيس الصيني كلا الجانبين إلى توطيد الثقة الإستراتيجية المتبادلة ومواصلة الدعم فيما بينهما بثبات في القضايا الكبرى محل الاهتمام المشترك. وقال إنه يتعين على الجانبين تعميق تعاونهما في مجالات مثل النفط وإقامة البنية الأساسية والزراعة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا، هذا إلى جانب تقوية التبادلات في الثقافة والصحة والسياحة ومجالات أخرى، وأكد أن الصين مستعدة لتقديم الدعم الفكري للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان.
{ إشراف رئاسي
استمرت الفتوحات الاقتصادية بلقاءات عديدة أجراها رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” بمقر إقامته بفندق (ميلنيم) ببكين، حيث التقى برئيس (شركة نورنكو) ورئيس (شركة بولي) و(مجموعة هندسة الموانئ البحرية) الصينية، كل على حدة، بحضور عدد من الوزراء المرافقين له، وتناولت تلك اللقاءات بالبحث فرص وآفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري، وفي كلٍ أكد رئيس الجمهورية حرص السودان على تعزيز التعاون بين البلدين في شتى المجالات، لافتاً إلى أن توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية مع الصين فتح الباب لمزيد من التعاون والتنسيق الاقتصادي، مبيناً أنه تم إنشاء لجنة عليا تعنى بالعلاقات مع الصين بوصفها الشريك الإستراتيجي الأول للسودان، مؤكداً الحرص على رعايته الشخصية للاستثمارات الصينية في السودان تحقيقاً للمصالح المشتركة بهدف استمرار التعاون. وتحدث “البشير” كذلك عن فرص ومجالات الاستثمار الواعدة في السودان.. وبدورهم عبر رؤساء الشركات عن ارتياحهم لمستوى التعاون الاقتصادي بين السودان والصين، بجانب المجالات الأخرى، معربين عن أملهم في الاستثمار بالسودان، وقدموا لرئيس الجمهورية شرحاً مفصلاً حول مشاريع واستثمارات شركاتهم.
المجهر السياسي
حلوه منك يا بشة معلم وخلى امريكا تتعلم