محمود الدنعو

دموع التماسيح


إلى الطفل السوري إيلان كردي في علياء الجنَّة مع الصديقين والشهداء، وأنا على مدى الأيام الماضية أُشاهد سيلاً من الصور والتعليقات المتعاطفة معك، نعم شاهدتُ صورة جثته الهامدة بكلِّ البراءة وبكامل الأناقة، بقميصه الأحمر ونصف البنطال الأزرق والحذاء غير المهترئ، ولكنك واريت وجهك عنَّا داخل رمال الشاطئ خجلاً أو خوفاً منا، لا يهم، فنحن الجناة قتلناك جميعاً ثم جئنا نذرف دموع التماسيح على جثتك التي لا تحتمل بلل الدموع بعد أن غرقت في البحر.
تسابقت الصحف العالمية ونبشت كل قواميس اللغات بحثاً عن كلمة تناسب ردة الفعل العاطفية لمن يشاهد تلك الصورة، فجاءت في أغلب عناوينها الرئيسة، تقول صورة هزت/ صدمت/ فجعت العالم، ولكنها في غمرة ردة الفعل العاطفية المصطنعة بفعل الاحترافية في التقاط الصورة التي قال مطلقها إنه عندما وجد جثة الطفل هامدة فكر في زوايا مناسبة لالتقاط صورة تهز العالم، وكان له ما أراد، فقط استدرَّ بها عطف ودموع الكثيرين بمن فيهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الملقبة بالمرأة الحديدية، ولكن الصورة فجَّرت مشاعرها.
إن العين لتدمع والقلب ليفجع من هول المأساة، ولكن ثمة أسئلة كوخز الإبر لضمير العالم الذي استيقظ على وقع النشر الواسع لهذه الصورة والاحترافية العالية في التقاطها، أليس هناك مئات الأطفال السوريين يقضون نحبهم تحت ركام منازلهم المنهارة بسبب البراميل المتفجرة. أليس هناك أطفال في سوريا نفسها ماتوا بسبب الكيماوي المزعوم؟ أليس هناك في أفريقيا آلاف الأطفال يموتون ببشاعة متناهية وتلتقط صورهم حين تنهش أجسادهم الغضة السباع في الأدغال أو تحرقهم نيران الحرب داخل أكواخهم التي – بالكاد – تقيهم من الحر والبرد ناهيك عن الحرب؟ إذن لماذا لا نشاهد ردات فعل مماثلة؟ أليست الإنسانية واحدة والمأساة واحدة وبراءة الأطفال التي تعصمهم من هذه البشاعات واحدة؟
أما الطفل إيلان الذي يحزننا هذه النهاية التي انتهى إليها، نقول له لا تصدق دموع التماسيح الذين يتاجرون بنشر صورة جثتك، فجميعهم شركاء في الجريمة حتى والدك الذي ألقى بك في عرض المجهول البحر الهلامي، أما كان الأفضل لو بقيت أنت وشقيقك بمعسكر اللاجئين في كوباني بدلاً من هذا الانتحار الجماعي للفارين إلى أوروبا؟ ثم لهؤلاء النائحين والنائحات أليس للأطفال الأفارقة الذين قضوا في نفس التوقيت مع الطفل السوري على شواطئ المتوسط قبالة ليبيا من بواكٍ؟ ما لهذا العالم الذي أدمن التمييز حتى في حضرة الموت؟!
الطفل إيلان ارقد بسلام في قبرك، ولا تهتم لدموع التماسيح المسترد عطفهم ودمعهم بفضل احترافية الصورة، وليست بشاعة المأساة التي لا تفرق بين طفل وآخر.