إلى متى يستمر هذا التعاطف
الكثير من القراء والأصدقاء لم يرق لهم مقالي بالأمس عن دموع التماسيح التي ذرفت للتعاطف مع الطفل السوري، بينما جفت مآقيهم وشاحت أبصارهم بعيدا عن عشرات من صور الأطفال الذي ماتوا في ظروف مشابهة في سوريا وأفريقيا، وفي بورما، حيث يحرق أطفال أقلية (الروهنجيا) المسلمة، أقول لهم جمعيا مرة أخرى إن العين لتدمع والقلب ليفجع وإنا لمحزونون على حالة الازدواجية حتى في مشاعر الموت، أما ما ذهب إليه البعض بأن الصورة من بركات نشرها الواسع حملت القادة الأوروبيين لتغيير مواقفهم، فهو عين الأزمة الأخلاقية، فهؤلاء القادة كانوا قبل أسبوع فقط يصرخون في وجه اللاجئين أن عودوا إلى دياركم مهددين بإحكام إغلاق المداخل إلى عمق أوروبا، مقترحين عليهم البقاء في معسكرات بتركيا أو صربيا، ولكنهم بدلوا المواقف كما يبدلون أحذيتهم بفضل ضغوط الرأي العام المحلي التي زادت بعد نشر الصورة، وإن كانت الشعوب الأوروبية أصلا أبدت ترحيبها وتعاطفها مع اللاجئين بينما الحكومات هي التي اعترضت لاعتبارات أمنية واقتصادية، وهذا حق مشروع، ولكن ما لا يمكن أن يستقيم حجة على نجاعة نشر بشاعة الصورة في تحويل المواقف بهذه السرعة، أننا نتعامل مع أزمة إنسانية فيما يتعلق باللاجئين وليست أزمة سياسية تتبدل فيها المواقف طبقاً لتيرموتر الأحداث، المواقف الإنسانية يجب أن تكون واحدة وثابتة نستقبلهم أو لا نستقبلهم بكل بساطة !
ولكن أن يخرج زعيم دولة عظمى، ليقول إننا لن نستقبلهم ويذهب آخر إلى التهكم المثير للفتنة عندما يقول لماذا لا يلجأون إلى مكة ؟ ثم بين ليلة وضحاها وفي خضم موجة دموع التماسيح بعد نشر صورة جثة الطفل السوري ينقلبون إلى ملائكة رحمة، فاتحين صدورهم أن هلموا مرحبا بكم، أليست هي المتاجرة السياسية بصورة جثة الطفل السوري أكثر منها مواقف إنسانية يجب أن لا تتغير ولا تتجزأ؟ ثم أن قادة أوروبا الذين تحولوا إلى ملائكة رحماء بالفارين من جحيم الحرب والمعاناة في أوطانهم الأصلية، هل تتسع رحابة الاستقبال للاجئين السوريين لتشمل الفارين من نفس المعاناة، بل أبشع وأفظع منها في أفريقيا، أليست الجثث التي يلفظها المتوسط يومياً لمهاجرين أفارقة بينهم أطفال ونساء هي لآدميين يستحقون بعض من دموع التماسيح هذه ؟!
صحيفة الصنداي تايمز البريطانية رأت أمس أن “الصورة المفجعة للطفل الغريق على الشاطئ التركي الذي كان يحاول مع أهله العبور إلى أوروبا أدت إلى تسهيل الإجراءات على الحدود في أوروبا”، متسائلة “إلى متى يستمر هذا التعاطف؟”