جامعة الخرطوم تطلق صرختها لإنقاذ حوار السلام في البلاد
لو كانت المؤسسات تغضب وتثور ويعتريها الإحباط والإحساس بالفشل لما نهضت جامعة الخرطوم ممثلة في معهد أبحاث السلام بقيام منتدى سلام السودان الأسبوع الماضي.. ومحاولة البحث عن سبيل لإيقاف الحرب الطاحنة التي تدور في بلادنا من سنوات تطاولت، ولا يلوح في الأفق المنظور حل يحفظ الدم السوداني، بل يتراءى لكل صاحب بصيرة منظر قاتم وحروب قادمة.. حيث تعددت وعود الأطراف المتصارعة بالقضاء على بعضها البعض. المعارضة المسلحة تتوعد بإسقاط النظام بفوهة البندقية، والرئيس “البشير” يقول إن العام القادم سيشهد نهاية التمرد في السودان بالقضاء عليه.. ومعهد أبحاث السلام الذي تقوده نخبة من العلماء.. المخلصين لوطنهم وهم يستشعرون مخاطر الحرب والنزاعات ليس اليوم.. بل منذ الفترة الانتقالية التي أعقبت اتفاق 2005م، الذي أنهى حرب الجنوب ولم يحقق السلام في البلاد. خلال الفترة الانتقالية تنقل الأستاذ “الكرسني” و”الطيب حاج عطية” و”منزول عبد الله عسل” وقلب المعهد النابض البروفيسور “محمد محجوب هارون” ما بين “كادقلي” و”الدمازين” و”الخرطوم”.. و”جوبا” بحثاً عن سلام كان ينتظر رؤية ثاقبة وعقلاً يبصر للحيلولة دون تجدد الحرب. ركب أساتذة جامعة الخرطوم الصعاب حتى مدينة “كاودا” عاصمة الحركة الشعبية حينذاك.. واضطلع المعهد بمحاولة تقريب وجهات النظر حول ماهية (المشورة الشعبية) وكيف ولماذا، لأن المشورة الشعبية كانت حمالة أوجه ما بين أنصار الحركة الشعبية الذين يعتقدون أنها قد تعني حق تقرير المصير.. وما بين أنصار المؤتمر الوطني الذين يعتقدون أنها تقرير لواقع حال لا يتغير ولا يتبدل.. ولم يصغِ صناع القرار في كلا الجبهتين لما يقوله مركز أبحاث السلام لتعود لساحات الوطن المواجهات القتالية.. ويوئد حلم الاستقرار مع إطلاق الرصاص على اتفاقية السلام وبروتوكول المنطقتين.
ولكن جامعة الخرطوم مضت تبحث عن دروب وطرق ومسالك لإيقاف الحرب وإحلال السلام، وأساتذتها من العلماء الأجلاء يقفون في الشارع أمام قاعة الشارقة يوم (الثلاثاء) الماضي يحدقون في فضاء الخرطوم وسمائها التي تنذر بالرعود ومطر الخلاف بين النخب الحاكمة والمعارضة يهدد بفشل الحوار الوطني وبلوغه الطريق المسدود، ولكن النخب من العلماء لا يصيبهم اليأس ولا الإحباط، وإلا كانوا اليوم قد اختاروا الصمت وتدريس آثار الحرب وكيفية إحلال السلام في مناطق النزاعات وذهبوا لمنازلهم يمتعون أنفسهم بمراقبة ما يجري في العالم.
والأستاذ “محمد محجوب هارون” الذي اختار بطوعه أو اختارت له أقداره أن يخرج من عباءة الدبلوماسية ويغادر ضيق الأوعية التنظيمية في التيار الفكري الذي انتمى إليه منذ الصبا الباكر.. ليسوح في فضاء الجامعات وهو يرى الأشياء بغير عيون السياسي التي يغشاها الرمد الصيفي ويحجب عنها الأشياء كما تبدو. ويطلق “محمد محجوب هارون” الدعوات بطريقته الهادئة وابتسامته حتى في زمان الحزن والضيق ولا يمل من البحث عن السلام.. وبروفيسور “الطيب حاج عطية” المسكون بالديمقراطية والمغلوب على أمره من فواجع النخب الوطنية وهي لا تصغي للعلماء ولا يطيب لآذانها الإصغاء لألحان السلام، وفي ذات الوقت تركب المصاعب ومعها الشعب وتخوض حروباً الخاسر فيها الأغلبية، ولكن فئة قليلة من هؤلاء وأولئك مستفيدين من آهات النازحين ودموع الثكالى وأنين الجرحى الذين هم ضحايا لنخب لا تنظر إلا لمصالحها.. مع أن المصالح الحقيقية للنظام ومعارضته من الأحزاب والجماعات المسلحة في إيقاف الحرب وتحقيق السلام.