محمود الدنعو

التفسير السياسي لحادثة التدافع


هل نطلق على من ماتوا في حادثة التدافع بالحرم من الحجاج الذين سيبعثون محرمين ملبين، ضحايا أم شهداء؟ وهل يجوز على ذويهم الحزن عليهم أم الغبطة بأنهم على الأقل ماتوا بطريقة كانوا يتوقون إليها وهم أحياء بدلا من الهرج والمرج والموت المجاني الذي ينتشر في الكثير من بلدان العالم؟ هذه الحيرة في ضبط المصطلحات بغرض التداول الإعلامي للحادثة تنتقل إلى التعاطي مع تداعيات الحادثة التي سارعت المملكة العربية السعودية إلى التحقيق حول ملابساتها وحتى تكتمل الصورة في أسباب الحادثة يجب النأي عن الإسقاطات الدينية والسياسية في التعامل معه فلا يجب الاكتفاء بأنه قضاء وقدر بل لا بد من التقصي لمعرفة أسباب القصور لمعالجتها مستقبلا كما يجب أن لا نركن إلى التفسيرات السياسية المتعجلة في دمغ السعودية بالمسؤولية أو تبرئتها.
وبدا واضحا التعاطي السياسي مع الحادث من خلال تصريحات زعماء دولتين لديهما العدد الأكبر من الحجاج المتوفين في الحادثة، ففي إيران التي وصلت الحصيلة فيها إلى 131 حاجا دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني من نيويورك، حيث يشارك في الجمعية العامة للأمم المتحدة “الحكومة السعودية إلى تحمل مسؤولياتها” في هذه الكارثة، بحسب وكالة الأنباء الإيرانية، وسبقه في الهجوم على السعودية المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، منتقدا ما وصفه بـ”الإجراءات غير الملائمة” التي تسببت في حادثة التدافع.
التصريحات الإيرانية استبقت التقرير النهائي عن ملابسات الحادثة وتسربلت بالعباءة السياسية السوداء والعمامة الطائفية على خلفية الحرب بالوكالة غير المعلنة باليمن بين الحوثيين الذين تساندهم إيران وبين التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في إطار عملية إعادة الأمل لليمن.
وفي التفسيرات السياسية للحادثة وفي الاتجاه المعاكس للتفسير الإيراني قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه ليس من الصواب الإصرار على تحميل المملكة العربية السعودية فاتورة الحادثة، وإظهارها بمظهر المذنب، واستشهد أردوغان بملاحظاته شخصيا خلال أدائه الحج والعمرة، بالتنظيم والاهتمام الذي تبديه السلطات السعودية في تنظيم موسم الحج.
إذن الجميع يهرعون إلى اتهام السلطات السعودية أو تبرئتها من منطلقات سياسية في حادثة لا تحتمل التفسيرات السياسية لأنه تدافع بشري في أكبر تجمع للبشر في مكان واحد في العالم، وريثما يكشف التحقيق عن قصور في التنظيم يجب أن نتذكر أنها الحادثة الأولى بهذا الحجم منذ 25 عاما بمعنى أن هناك أعمالا وإنشاءات وتوسعة كبيرة تمت لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث خلال الـ25 عاما الماضية ويجب تعزيز هذه الإجراءات في المستقبل بحيث لا تتكرر الحادثة على مدى الخمسين عاما القادمة وإن كانت أقدار الله لا مناع لها ودعوات الحجاج بأن تقبض أرواحهم في هذه البقاع الطاهرة مستجابة