تحقيقات وتقارير

“الكشِف” في السودان… تقليد شعبي لتمويل الأتراح والأفراح

يعتز السودانيون بإرثهم الذي يتناقلونه جيلاً بعد جيل، ومن بين هذه الموروثات نجد “الكَشِف” الذي يمكن وصفه كأضخم مؤسسة مالية شعبية يهرع إليها الجميع، لنجدتهم في الأتراح والأفراح على حد سواء.

و”الكشف” عبارة عن مساهمات نقدية أو عينية (غير إلزامية) يجمعها السودانيون، لمعاونة بعضهم عند الملمات، سواء كانت الموت، أو المرض، أو حتى انهيار منزل، أو حريق متجر، ويمتد أيضا للأفراح من مراسم زواج، وولادة وغيرها.

وفي مجتمع معروف بترابط عناصره، يمكن وصف “الكشف” أيضاً، بأنه خزانة موازية للخزانة العامة، يلجأ لها الناس لتغطية نفقات مصائب تطرأ فجأة، أو تعويض خدمات عجزت الحكومة عن تقديمها مثل العلاج، كما يقول الشاب حازم عبد الرحمن.

ففي أي سرادق منصوب، سواء كان لمأتم، أو حفل زواج، تجد كل الحاضرين تقريباً، يقصدون شخصاً معين، يتولى جمع وتدوين مساهمات الأشخاص، على كراس.

وتكمن أهمية هذا التقليد، كما يقول عبد الرحمن، الذي عادة ما يتولى هذه المهمة في منطقته، في أنه “عند وقوع حالة وفاة مثلاً، يكون الأهل ليسوا جاهزين لتغطية نفقات العزاء الكبيرة، وبالتالي تساعدهم هذه المساهمات في القيام بكل مستلزمات المناسبة”.

وفي الغالب يُنصب سرداق العزاء في السودان، لثلاثة أيام، تشمل تقديم الوجبات الثلاث، بالإضافة إلى الشاي والقهوة للمعزين الذين يحرص قسم كبير منهم على الحضور أكثر من مرة خلال هذه المدة، خصوصاً في اليوم الأخير الذي يُطلق عليه شعبياً اسم “رفع الفراش”، ويكون بعد مغيب الشمس.

ويشير عبد الرحمن إلى أن القيمة الكلية للكشف، غالباً ما تغطي نصف أو ثلاثة أرباع كلفة العزاء، إن لم يكن كلها، لكنها تنخفض مقارنة بأفراح الزواج التي يكون مخطط لها مسبقاً.

ومع ذلك فإن المساهمات التي تُجمع في الأعراس تغطي جزء كبيراً من تكلفتها العالية، نسبة للطقوس الشعبية التي تصاحبها، من إقامة الولائم، والحفلات، والهدايا التي تُرسل من أهل العريس إلى أهل عروسته والعكس.

ويقول عمر محمود، الذي يعمل في وظيفة حكومية، إن “الكشف” الذي حصل عليه غطى تقريباً ثلث كلفة مراسم زواجه التي أقيمت قبل أشهر، لكن عبد الرحمن يُبين أن قيمة هذا التقليد متفاوتة، وتعتمد إلى حد ما على مساهمات الشخص المعني في مناسبات الآخرين، وتواصله معهم، وتقييمهم لمدى احتياجاته.

غير أن البعض من ميسوري الحال يرفضون الحصول على “الكشف” في مناسباتهم، وهو ما يصفه محمود بأنه “تعال طبقي يهدم قيم التكافل في المجتمع″.

ويضيف: “حتى لو كنت غنياً فلا عيب في أن تقبل مساهمات من أناس وضعهم المادي أقل درجة، حتى لا يتحسسوا عندما تساهم معهم في مناسباتهم التي يحتاجون لمن يعينهم فيها”.

ويؤيد عبد الرحمن ما ذهب إليه محمود، قائلاً: “في النهاية كل شخص يدفع حسب استطاعته دون أن يلومه أحد”.

وفي بعض الحالات تكون المساهمات عينية، مثل إهداء الذبائح، أو المواد التموينية، لكن أغلب المساهمات تكون نقدية.

ولا يقتصر جمع “الكشف” عند ذلك، بل يمتد إلى حالات أخرى، مثل مرض شخص ما، حيث يتطلب علاجه مبالغ أكبر من إمكانياته، أو فقدان تاجر لبضاعته سواء في حريق أو سرقة وما إلى ذلك، فيجد زملاؤه ويسارعون لتعويضه جزءًا من خسارته.

وفي المناسبات السعيدة أيضاً، وفي حالة وضع المرأة مولوداً، فإنها تتلقى هبات نقدية من جاراتها وأهلها، لكنها بالطبع تكون أقل قيمة من المساهمات التي تُجمع في المناسبات الأضخم.

وفي بعض المناطق يكون الكشف أكثر تنظيماً، حيث تتولى مجموعة (متوافق عليها) تحصيل مبالغ شهرية من أهل الحي، أو زملاء مهنة، يُصرف منها على مناسباتهم، لكن هذا النمط يبقى أقل انتشاراً.

(الاناضول)