أمشوا .. كتر خيركم..!!
٭ وقاضي المحكمة العليا يصدر التعليمات بصوت هادٍ ووقور «أنا عبدالمجيد إمام قاضي المحكمة العليا بهذا أمرك بالانصراف بجنودك فوراً «..الملازم قرشي فارس يرفع يده ملقياً التحية العسكرية مردداً بكل احترام كلمتي»حاضر سعادتك»..ثم بصوت بطولي يصرخ في جنوده «إلى الخلف دور»..ذاك المشهد المملوء بطولة وشجاعة حدث في يوميات ثورة أكتوبر التي احتفلنا أمس بذكرى يوبيلها الفضي.. عاد الجيش إلى ثكناته ومارس الشعب حقه في اختيار حكامه.. بكل إحترام غادر الفريق عبود القصر ليسكن في منزله الذي كان مازال يدفع أقساطه.
٭ قبل أيام كان الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل رئيس القطاع السياسي بالحزب الحاكم يتحدث بصراحة في ندوة نظمتها جمعية العلوم السياسية.. مصطفى عثمان قدم إعترافاً نادراً حينما أكد أن أزمة بلادنا تكمن في غياب الحكم الراشد.. صحيح أن اعتراف الرجل النافذ جاء في إطار دفاعه عن شرعية الأنظمة العسكرية.. رغم ذلك نجد أن الرجل وضع يده على مكمن الداء المتمثل في غياب الحكم الراشد.
٭ قبلها كان الشيخ حسن الترابي يتحدث في فاتحة الحوار الوطني عن امكانية انسحاب الإنقاذ من المشهد السياسي.. ولأن كلام الشيخ كان حمال أوجه يجمع بين التحليل والتوقع لم يتم أخذه على محمل الجد .. الآن الشيخ يوسف الكودة تحدث أمس الأول في برنامج الميدان الشرقي عن رحيل الإنقاذ بصورة واضحة، حينما أكد أن النائب الأول لرئيس الجمهورية أبلغهم باستعدادهم لتسليم السلطة حال التوافق على ذلك .. لغة الفريق بكري كانت واضحة «لو قلتو أمشو نمشي».
بعد مرور أكثر من ربع قرن على قيام حكومة الإنقاذ حري بنا أن نجرد الحساب لنتبين إن كان أوان الرحيل قد أصبح لازماً .. الحساب الصحيح يعطي الإنقاذ تميزاً في الملف الاقتصادي .. حيث أنجزت مشاريع تنموية تتمدد مابين الطرق والسدود والجسور حتى تبلغ منتهاها في مشروع النفط السوداني الذي جعل بلدنا تطرق أبواب منظمة أوبك .. لكن نهاية الإنجاز الاقتصادي تنتهي هذا العام بانخفاض في قيمة الصادرات بلغ نحو خمسين بالمائة حسب إحصاءات النصف الاول من العام الجاري.
٭ حينما نقلب كتاب الإنقاذ نجد أنها مسؤولة عن هروب خمس سكان السودان الذين اختاروا وطناً جديداً .. بينما ملايين أخرى اختارت الهجرة واللجوء إلى أوطان بديلة ريثما ينصلح الحال .. الحرب الأهلية تمددت على أطراف السودان من دارفور غرباً إلى جنوب كردفان، ثم شرقاً إلى النيل الأزرق.. بلدنا تعيش في عزلة سياسية واقتصادية وتتنقل مثل الفراش الحائر من محور سياسي إلى آخر مما يؤكد غياب الرؤية الاستراتيجية .
٭ في تقديري أن الوقت مناسب لأن يمارس الإنقاذيون جلد الذات وجرد الحساب.. الانقاذ دائماً رحلة استثنائية قصيرة تنتهي بوصول المريض إلى رعاية طبية متكاملة .. وها نحن نحتفي بمرور خمسين عاماً على تجربة السودانيين في التغيير السلمي يصبح الوقت مناسباً لنقول لحكامنا «أمشو .. كتر خيركم».
٭ بصراحة.. أهل مكة أدرى بشعابها ورجال الإنقاذ رموا الكرة في ملعبنا .. إنه الوقت المناسب لنسأل أنفسنا عن حالنا الآن مقارنة بربع قرن مضى.