عبد الباقي الظافر

ساعي الريال المقدود..!!


٭ قبل سنوات زار الأستاذ علي عثمان محمد طه نيويورك للمشاركة في منشط للأمم المتحدة .. في جدول أعمال نائب رئيس الجمهورية حوار صحفي مع زميلنا لقمان أحمد مراسل (بي بي سي) بالولايات المتحدة وقتذاك.. بدا الحوار عادياً ثم تخللته أسئلة تشكل مطبات حرجة تجاوزها الشيخ بمهارة سياسي يعرف كيف يقول نعم وهو يقصد نقيضها تماماً.. رجال حول الشيخ لم تعجبهم جرأة الصحافي السوداني .. بعيد انتهاء الحوار هجم أحد مساعدي الشيخ على أشرطة التسجيل وسواها بالأرض .. هنا فتحت أبواب السيناريوهات السيئة.. من استدعاء الشرطة واقتياد المخطيء إلى سوح القانون أو تمريق سمعة البلد في الوحل.. تصدى الأستاذ علي عثمان للمعالجة وإعتذر للصحفي وأصر على إعادة الحوار مرة أخرى.
٭ حملت الأنباء أمس الأول أن المصنفات الأدبية بالسودان صادرت ستة كتب من معرض الخرطوم الدولي الذي افتتح مؤخراً.. الكتب المصادرة، هي رواية سيرة قذرة لمحمد خير عبدالله ورواية ساعي الريال المقدود لمبارك أردول وكتاب «هل أخطأ السلف» للكاتب د. محمد بدوي مصطفى .. وطبقا لدار أوراق الناشرة للكتب تم من قبل منع روايتي أسفل قاع المدينة لإيهاب عدلان وبستان الخوف لأسماء عثمان الشيخ.. الأعمال المصادرة باستثناء كتاب (هل أخطأ السلف) عبارة عن روايات أدبية .. رغم ذلك لم يتسع صدر البلد لاستيعاب روايات أبطالها من نسج الخيال.. فكيف لبلدنا التي تسعى للحوار أن تتحمل ساسة يحملون فكراً مغايراً.
٭ بداية تمارس الحكومة قدراً من الوصاية عندما تحدد للناس ما يجب أن يقرأوه .. بل إنها تفترض في عامة الناس غباءً يجعلهم يتأثرون بكتابات محدودة وآراء متفرقة.. في هذه الوصاية مصادمة للمنهج الرباني القائم على من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .. كما أن السؤال المحرج كيف أجازت المصنفات هذه الكتب من حيث المبتدأ .. كل دار نشر ترسل قائمة بكتبها التي سوف تعرض حتى تمنح الدولة المضيفة حقها في الاعتراض.. المصادرة بعد العرض تؤكد أن الجهات المختصة لم تقم بدورها فحملت البلد أوزارا جديدة في موسم الحوار الوطني.
٭ قصر نظر المصنفات الأدبية جعلها تصادر هذه الكتب فتزيد من رواجها.. صديقنا الأديب عبدالعزيز بركة ساكن اكتسبت رواياته قيمة إضافية حينما حملت ختم (منع تداولها في السودان) .. فتمت ترجمة روايته «الجنقو مسامير الأرض» إلى لغات عديدة.. البعد الثاني أن المصادرة لا تحقق الرواج فحسب بل تزيد من الانتشار.. كل الأعمال المصادرة سيتم تحميلها في الشبكة العنكبوتية فتدخل البيوت من أوسع أبوابها.
٭ واحدة من الروايات التي تمنيت الإطلاع عليها رواية مبارك أردول المعنونة بـ (ساعي الريال المقدود) .. في البداية شدني الاسم الذي يحمل غرابة فنظرت إلى المؤلف فوجدته ليس سوى مبارك عبدالرحمن أردول الناطق باسم الحركة الشعبية قطاع الشمال.. بصراحة لم أكن أتصور هذا الرجل يمكن أن يكون أديباً .. ليس لصعوبة الجمع بين القلم والسلاح فحسب، بل لأن صورته انطبعت في أذهاننا بشكل مغاير.
٭ في تقديري .. كان بإمكان وفد الحكومة المفاوض أن يحاجج المتشككين في أجواء الحرية برواية أردول التي وصلت الخرطوم ..الآن الحجة ستكون على الحكومة لا لها..الحكومة التي دعت حملة السلاح للحضور للخرطوم واعدة بضمانات رئاسية وبرلمانية لم تسمح لرواية أن تشق طريقها إلى قلوب الناس فقط لأن مؤلفها بلغ به الخلاف السياسي أن يكون في الضفة الأخرى من الصراع.
٭ بصراحة..أي مصادرة بلا حكم قضائى تعتبر جريمة في حق القراء الذين يميزون الطيب من الخبيث .. كما أن هذه المصادرات تضيف بعداً سالباً للصورة النمطية للسودان في أذهان الآخرين .