عبد الباقي الظافر

توحيد الجبهة الثورية لماذا..!!


في مستهل العام ٢٠١٠ توقفت برفقة الصديق العزيز دكتور كامل إدريس أمام بيت في شارع البلدية بالخرطوم.. أول ما يلفت نظر الزائر الحراسة المشددة وغلظة الحراس.. كان ذاك مقر أقامة السيد مني أركو مناوي كبير مساعدي رئيس الجمهورية.. بعد أن دلفنا إلى الداخل كانت المعاملة تفيض أريحية.. المساعد الأكبر يرتدي زيّاً رياضياً وبعض من غضبه يخرج مع دخان سيجارة كانت تتحرك بسرعة ما بين إصبعيه وشفتيه.. بعد المقابلة تبيّن لي أن مني نادم على مصالحته المنفردة مع الحكومة.. المصالحة الجزئية جعلت الحكومة تنظر إليه باعتباره ضيفاً ثقيلاً.. كبار المسؤولين تجاهلوا حتى اتصالاته الهاتفية حينما حدثت مخاشنة بين جنوده وقوات الشرطة في ضاحية المهندسين بأمدرمان.. تلك التراكمات أدت لعودة مني مناوي لقمة جبل مرة محارباً الحكومة مرة أخرى.
حملت أنباء الصحف أن حكومة جنوب السودان قد اعتذرت عن القيام بأي دور لتوحيد الجبهة الثورية السودانية التي انفرط عقدها أو كاد.. مصدر المعلومة هو السيد روبرت وليم دينق الذي أوضح في تصريحه، الذي احتفت به معظم الصحف، أن حكومة سلفاكير ستحاسب أي مسؤول يتواصل مع الجبهة السودانية التي لن تتوحد مرة أخرى على حد تعبير المسؤول الجنوبي اهتمام الصحف ليس وحده الذي يؤكد أن الحكومة السودانية تنظر بسرور لعدوها الذي تفرقت صفوفه.
الناظر إلى تجربة ونظرية تشتيت المعارضة وتقسيم الحركات المسلحة سيتبين له أن هذا المسعى يحقق نتائج تكتيكية على المدى القريب فقط.. إبان محادثات أبوجا التي قادها الراحل الدكتور مجذوب الخليفة كانت حركة تحرير السودان التي يقودها عبدالواحد النور هي الأقرب للاتفاق مع الحكومة.. حينما استشعر مناوي هذا الوضع سارع وقفز بين ذراعي الحكومة السودانية.. الاتفاق الجزئي لم يصمد كثيراً.
على نقيض اتفاق أبوجا كان اتفاق نيفاشا المعنون باتفاق السلام الشامل أطيب ثماراً.. الراحل جون قرنق سارع بتوحيد الجبهة الجنوبية فضم إلى صفوفه على مضض كلاً من رياك مشار ولام أكول اللذين خرجا عليه.. بل لاحقا تواصل خليفته سلفاكير مع فاولينو ماتيب قائد القوات الصديقة المقربة للحكومة السودانية وعيّنه في منصب نائب القائد العام حتى توفاه الله.. الحركة الشعبية تواصلت حتى مع المعارضة الشمالية ممثلة في التجمع الوطني وأقنعت رموزه بمصالحة الإنقاذ.. فبات فاروق أبوعيسى عضواً بالبرلمان والفريق عبدالرحمن سعيد وزيراً في الحكومة.. النتيجة أن الاستقرار ساد البلاد وتدفق الذهب الأسود وعاشت البلاد سبع سنوات سمان.
في تقديري.. النظرة الإستراتيجية تقتضي أن تأتي الجبهة الثورية للسلام وهي متوحدة.. إن لم يحدث ذلك سيحدث سلام بالتجزئة.. السلام المنقوص يعلي المطالب الجهوية ويكرس للعنصرية.. في نهاية المطاف لن تتسع كيكة السلطة لعشرات الحركات المسلحة ولا لمئات الأحزاب المتخالفة.. بل الأهم من ذلك أن العالم لن يقر أي تسوية جزئية.. إن تمت مصالحة مع الحركات الدارفورية سيسألنا المجتمع الدولي عن الأوضاع البائسة في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. في هذه الحالة سنكون في حالة بحث دائم عن السلام.
بصراحة.. ربما لن يكون من المنطقي أن نطلب من الخرطوم ابتعاث وفد لتقريب وجهات نظر فرقاء الجبهة الثورية.. ولكن في المقابل يجب ألا تستثمر حكومتنا في الخلاف الناشب بين مكونات الجبهة الثورية.