عبد الباقي الظافر

الإستراتيجية كمان وكمان..!!

أشهر كنا نتحلق حول مجلس رجل أعمال سوداني مقيم في المملكة السعودية.. وقتها كان الثري السوداني يخطط لقيام استثمارات في دول أفريقية من بينها يوغندا وتنزانيا.. سألت الرجل لماذا يعبر الأجواء الإقليمية السودانية دون أن يتوقف مستثمراً بالخرطوم.. إجابة الرجل كانت قاطعة وشافية «السودان بلد لا يمكن التنبؤ بمآلات الأحوال فيه».. ثم وجه إلينا سؤالاً مستفزاً إن كان بوسع أي منا التخطيط لحياته الخاصة لمدة عامين بكل اطمئنان.. لذنا بالصمت أمام تساؤلات رجل يستخدم معيار
«البزنس» في القياس.
أمس انعقد بالقصر الجديد اجتماع مجلس التخطيط الإستراتيجي الذي يرأسه رئيس الجمهورية.. منذ الصباح تحول القصر الرئاسي إلى ما يشبه السوق الشعبي.. رجال يرتدون ملابس صوفية.. وزراء سابقون أكل عليهم الدهر وشرب.. مجموعات نسائية يجدن الظهور في المناسبات العامة.. ثم بين هؤلاء نخبة تائهة ضاعت وسط الزحام.. مطلوب من كل هؤلاء وضع خطط إستراتيجية لتعين البلد في مقبل الأيام وقادم السنوات.
في تقديري.. هنالك قصور في الرؤية الإستراتيجية في السودان… القصور سببه الاعتقاد أن الحشود الشعبية يمكن أن تفكر بهدوء لتجد حلولاً للمشكلات أو تخطط بعناية حتى لا تقع في المشكلات.. مثل هذا الحشد الشعبي من عوام الناس سيجعل مُتَّخِذ القرار يتوه عن المقصد.. قبل بناء إستراتيجية جديدة أليس من الواجب أن نسأل ماذا عن الخطط الإستراتيجية من الخمسينية وماتلاها.. هل تتحرك بلادنا على هدى عقل إستراتيجي وخطط محكمة أم الأمر يسير بعقلية رزق اليوم باليوم.
لأن الخطاب يكفيه عنوانه سأبدأ بالخطة الإستراتيجية الخمسينية.. من كان قائماً على تلك الخطة لم يكن سوى مدرس عمل بالمدارس الثانوية لسنوات طويلة وعرف بإجادته للغة الإنجليزية.. رغم أهمية الملف الإستراتيجي إلا أن الراحل الدكتور تاج السر محجوب نقل للعمل سفيراً في نيجريا.. من يشرف على مجلس التخطيط الإستراتيجي الآن هو الدكتور عباس كورينا.. سمعت هذا الرجل يتحدث في منتدى يناقش آثار الهجرة والوجود الأجنبي في السودان.. هذا المخطط أكد أن قيادة الدولة تتعامل بمرونة مع الوافدين لأنهم مسلمين.. هل هذا يعني ان نفتح بلادنا لكل من نطق الشهادة.. هذا نموذج للعقل الإستراتيجي الذي يسيطر على مفاصل الدولة.
في تقديري.. أن هنالك قضايا حيوية تحتاج إلى إعمال التفكير الإستراتيجي.. أين تقف الدولة من التعليم التقني.. هذا المسار المهم تم جعله منفصلاً عن وزارة التعليم العالي ثم عاد إليها طائعاً.. كل ذاك الحراك دون أدنى إستراتيجية مرشدة.. منذ سنوات ونحن نهتف أننا سلة غذاء العالم وبلدنا به مئتا مليون فدان من الأراضي الزراعية.. هل هذا الكلام صحيح والإحصاءات دقيقة خاصة بعد انفصال جنوب السودان.. وهل بإمكان الاقتصاد الزراعي أن ينهض بأمة في مثل ظروفنا.
بصراحة.. التخطيط الإستراتيجي عمل نخبوي يوكل للمختصين والخبراء.. بعد الدراسة والتفاكر يحال إلى الجهات ذات الصلة لتفصله في شكل قوانين وسياسات تجد طريقها للتنفيذ.. الخطوة الأولى تبدأ بإبعاد التخطيط الإستراتيجي من يوميات السياسة والساسة في السودان.