منوعات

“الراندوك”.. لغة جديدة تغزو الشارع السوداني … شباب وصنايعية

لم تعد لغة الشارع أو (الراندوك) كما تسمى، حكراً على الفئات التي عرفت وسطها، حيث يجيد الحديث بها الصنايعية والحرفيون والعاملون في الأسواق والشماسة، إلى أن انجذبت إليها العديد من الفئات الأخرى من الطلاب في مختلف المراحل الدراسية، وحتى الفتيات، وفي اللحظة التي يتغير فيها الحديث رويداً رويدا، ويصطدم أحدنا بعبارات مثل (أمس مشينا الكتمة – أمبارح كان في زنقة في الحلة – ود عمك اشترى حديدة فنيطة ـ الأصلي داك اتخرج من الجامعة). حتماً سترسم على وجهه علامات الحيرة والدهشة، وقد يبدو على ملامحه الاستهجان، فإما قطب حاجبيه غاضباً أو فغر فاه دهشة واستنكاراً لما سمع أو بدت على وجهه ابتسامة دلت على الإعجاب، لكن حقيقة الأمر أن حال لغة الشباب وخصوصاً الأجيال الواعدة تدعو إلى البحث والتأمل في مفرداتها الكثيرة والغريبة والمحاطة بقليل من التعقيد، لكنها لا تخلو من رشاقة وخفة الظل، محاولين إنتاجها كالعامية، فهي أبعد ما تكون من الرطانة، وقد تنحو منحى اللغة المرمزة أو المشفرة، ولا تنحصر تلك اللغة علي الشباب فقط بل تعدت ذلك إلى كبار السن خاصة فئة السائقين وأصحاب الورش والحرفيين.
مقتضيات عصرية
(الراندوك)، ولصعوبة تقصي مصادرها اللغوية (العلاقة بين الجذر اللغوي والمفردة)، تكاد تكون إطارا خاصا فكيف تنتج مثل تلك الكلمات؟، وكيف تنتشر؟ وما هو صداها ومردودها بالنسبة لأجيال الخمسينيات والستينيات، فمنهم من يرى فيها تهجما على اللغة وتشويها لأصالتها وتحريفا لها، وآخرون ينظرون إليها كنوع من الإبداع وتختص بخصائص شبابية بحتة، فضلاً عن أنها نتاج طبيعي لظروف ومقتضيات العصر، ولكشف أغوار اللغة الشبابية المستحدثة تلك التقت (اليوم التالي) مجموعة من الشباب لمعرفة معانيها ما غمض منها وما وضح، ومدى ذيوعها، ولم نغفل رأي الشيوخ فيها ومدى معرفتهم بها.
سمة مميزة
الشاب (الشيخ محمد) قال: كلمات مثل (جالخ) التي تعني الشيء النظيف، بالإضافة إلى كل عبارات الشباب الخاصة بهم هي سمة تميز بها جيلنا، وأنا أجدها معبرة جدا وأعتز بها ولا أرى فيها أي عدم ادب أو سلوك غير محترم، بل هي مؤشر على أن الشاب منفتح ومواكب وعصري، ونجد مفرداتها سهلة وبسيطة، وتساعد على تلاحم الشباب بعضهم البعض، وهي تشكل خصوصية وميزة تميزنا عن الأجيال السابقة واللاحقة.
وكذلك يشير (الطيب عمر) بأنه يجد فيها أريحية، فعباراتها سهلة ومؤثرة أكثر من التعبيرات الكلاسيكية، ويقول: أبناء جيلنا يحبذونها، وعندما يتحدث أحد بكلمات الآباء أو الأجداد يكون مدعاة للتندر وينعت بأنه (دقة قديمة) وما مواكب.
لغة شوارع
من جهته اعتبر (صدام حامد) أن عبارات الشباب غير راقية، وقال: لا أستطيع تلفظها أمام الوالدين أو أساتذتي في المدرسة أو أمام الأعمام أو الخيلان ولا يمكن أيضاً أن نتحدث بها أمام كاميرات التلفزيون أو في أي وسط راق، فهي ليست جميلة، فمثلاً كلمة (كرمبوزة) التي تعني صغيرة وجميلة، لا أحد يستطيع أن يقول لخطيبته أو زوجته أنت (كرمبوزة)، وفي نهاية الأمر هي لغة شوارع فقط.
خليط بين اثنين
أما (سلوى الطيب) فتعتقد أن هذه اللغة ليست (راندوك) ولا هي رطانة، فالرطانة لغة قائمة بذاتها، والـ(راندوك) يتم فيه تغيير الكلمة الأصلية، بتقديم أو تأخير بعض الحروف مثلاً بدلاً من أن يقول (مرتاح) يقول (مرحات)، وتكون مفهومة للفئة المتداولة وسطها، أما الشباب فيما بينهم فيستخدمون مفردات معروفة، لكنها تحمل معاني مختلفة، فمثلاً كلمة حديدة المقصود منها عربة، وهو أسلوب تخاطب ليس عيباً، وفي جميع دول العالم للشباب كلمات خاصة، تحكم بعمر معين وزمن معين.

اليوم التالي