محمد المعتصم عصام الدين: * أنا محظوظ بما فيه الكفاية * ارتداء “الجلابية” في تخريج “كامبيردج” سيبقى أفخر لحظات حياتي
أنحاء هذه الدنيا يؤكدون أن هذا السودان العظيم مازال بخير بهؤلاء الشباب الذين رسموا طريقا لهم ولبلادهم وسط دروب مستحيلة. خرجت علينا وسائل الإعلام الدولية والمحلية في الفترة الماضية بصور لشاب تغلب عليه سمرة أهل السودان يرتدي الزي السوداني في تخريجه بجامعة كامبريدج البريطانية، في مشهد مختلف، لاقى استحسانا كبيرا من الجميع على انتماء هذا الشاب الكبير لبلاده، بيد أن المعلومات التي نشرت عنه لم تكن كثيرة بل كانت مجرد اسمه وأسماء من أفراد عائلته.. بحثنا كثيرا عن الشاب، إلى أن وفقنا بفضل أشخاص بذلوا مجهودا كبيرا في العثور عليه معنا، وعبر هذا الحوار نسجل لهم شكرا جزيلا على مساعدتنا.. محمد المعتصم عصام الدين صالح محمد عثمان طالب سوداني تخرج في جامعة كامبريدج هذا العام ودرس فيها علم النفس والسياسة والاجتماع، فاجأ العالم بارتدائه الزي السوداني في تخريجه بالجامعة، عبر محمد عن سعادته الكبيرة بوصولنا إليه ليرسل عبرنا رسالة إلى كل السودانيين بأنه فخور بأنه سوداني، وأنه فعل ذلك بسبب حبه للسودان ولم يكن يتوقع كل هذه الحفاوة، ويكشف لنا كيف جاءته الفكرة وردود الفعل عليها، وأكد في حديثه معنا أن السودان أمة عريقة وأن حضارة البلدان وتقدمها لا تقاس بالمال والبترول، إنما بالمثل والمبادئ والقيم، وأن السودان غني بالمبادئ وراق بمثله وقيمه.. وفي ما يلي حوار مختلف مع شاب مختلف… نقلا عن مجلة (السمراء).
* بداية عرفنا عليك؟
– أنا محمد المعتصم عصام الدين صالح محمد عثمان، عمري 22 عاما… سوداني، ولدت وتربيت في المملكة المتحدة، التي تخرجت منها مؤخرا في جامعة كمبيردج بتقدير في علم النفس والسياسة والاجتماع.
* حدثنا عن الأسرة؟
– والدي ووالدتي درسا طب بشري في جامعة الخرطوم التي تقابلا فيها، وانتقلا إلى المملكة المتحدة قبل سنوات قليلة من ولادتي في عام 1993، وبعد سبع سنوات ولدت أختي نادين، وعمل والدي جراحا استشاريا في مستشفى (أيبسويتش)، بينما اعتنت والدتي بالعائلة.
* من أي منطقة بالسودان؟
كثيرون من عائلتي المقربة عاشوا حول الخرطوم أم درمان وبحري، وبها أمكث عندما آتي إلى السودان، لكن أهل والدي أصلا من دنقلا، ولدينا أقارب هنالك أيضا.
* هل ولدت في إنجلترا؟
– نعم ولدت في بيرمنغهام، ثاني مدينة في المملكة المتحدة.
* هل تزور السودان كثيرا؟
نعم… الحمد لله أنا محظوظ بمقدرتي على زيارة السودان باستمرار، تقريبا كل عام من حياتي، وأحيانا مرتين في العام، ولذلك الكثير من ذكريات طفولتي الجميلة كانت في الخرطوم، خصوصا الوقت الذي قضيته مع أولاد وبنات خالاتي وخالاتي وعماتي وجدي وجدتي وأخوالي وأعمامي وأصدقائي خلال العام، وقضيت آخر رمضان والعيد في السودان، وأنا متحمس للعودة مجددا في المستقبل القريب إن شاء الله، وأنا على اتصال مع عائلتي دائما، نتكلم على الواتساب والفايبر. فأنا اشتقت إليهم كثيرا.
* هل أنت قريب من الثقافة السودانية وعادات وتقاليد السودانيين؟
– باستطاعتي القول إنني أعرف السودان والثقافات السودانية أيضا، صحيح لغتي العربية ليست جيدة، لكنني أحاول تحسينها قدر المستطاع كلما أعود. (ضحك)… لا أعرف الكثير عن الأغاني السودانية، هنالك القليل من الفنانين والأغاني التي أحب الاستماع إليها عندما أشعر بالحنين للوطن، وهناك فنانون كبار أساسيون كمحمد وردي وإبراهيم الكاشف، وأيضا فنانون جدد كبلال موسى والسارة (مستقرة في الولايات المتحدة الأمريكية)، استمع إليها من وقت لآخر أيضا، وهنالك أيضا مغنو راب سودانيون مقرهم الولايات المتحدة الامريكية مثل أوديس وباز الذي يعجبني.. (ضحك).. عائلة والدتي تشجع المريخ وعائلة والدي تشجع الهلال، شاهدت الاثنين يلعبان وأعجبني الهلال.
* كيف جاءتك فكرة ارتداء الزي السوداني في تخريجك بكمبريدج؟
– الجامعة أرسلت للطلاب إيميلا تطلب منهم وصف اللباس المناسب للتخريج، فرأيت أن هناك خيار للأجانب بلبس زيهم التقليدي، وطلبوا صور فوتوغرافية تظهر الطلاب يرتدون لباسهم على الأقل في مناسبتين رسميتين للجامعة، وكنت قد ارتديت جلبابي وعمامتي في مناسبتين في العشاء الرسمي للجامعة، وكنت مؤهلا لذلك، وكان القرار سهلا علي. التخريج يعتبر لحظة فخر لكل عائلة، فولدها يصير معلما رئيسا في الحياة، وفي مثل هذه المناسبة أردت أن أوضح للجميع كم أنا فخور جدا بأنني فرد من عائلتي ومن بلدي وتراثي.
* وكيف تلقيت ردة الفعل على هذه الفكرة؟
– ردة الفعل كانت غير متوقعة بالمرة، كانت مخيفة قليلا، والفكرة متواضعة جدا جدا، أنا شخص عادي إلى حد ما، لم أتوقع أناسا كثيرين خارج عائلتي وأصدقائي يشاهدون التخريج. كنت قد حلمت فقط بجعل عائلتي فخورة، لذلك كان تلقي هذا الكم من الكلمات اللطيفة من الكثير من الناس شيئا مدهشا الحمد لله، وارتداء هذه الجلابية وتمثيل ناسي في تخريج جامعة كامبيردج سيبقى أفخر اللحظات في حياتي، والذين شاركوني تلك اللحظات لهم مكانة خاصة عندي، أريد أن أشكر الجميع للطفهم وكرمهم ودعمهم، فهذه هي الصفات التي أثبتت نموذجية السودانيين.
* هل وصلك أي رد رسمي سوداني؟
– سعادة السفير (التوم) من السفارة هنا في لندن اتصل بي بعد أيام قليلة من التخريج لتهنئتي شخصيا، واتصاله كان محل تقدير كبير جدا من قبل عائلتي وشخصي.
* هل لفتت فكرتك الإعلام البريطاني؟ وهل كانت هناك ردود فعل إنجليزية عليها؟
– لم تكن هنالك ردة فعل من وسائل الإعلام البريطانية، قليل من البريطانيين علقوا على جلابيتي وأخذوا صورا معي، لكن لم يكن هناك شيء أكثر من ذلك.
* هل تتابع ما يدور بالسودان
– نعم.. في الواقع اهتماماتي في السودان هي ما قادتني إلى كمبيردج لدراسة علم النفس والسياسة والاجتماع في المقام الأول، أردت الحصول على فهم أفضل للعالم على ما هو عليه، وتخصصت في السياسة، ولاسيما السياسة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وأنا محظوظ بما فيه الكفاية لدراسة السياسة في السودان والمنطقة ببعض العمق.
* بماذا تنصح الشباب السوداني الذي اغترب عن الوطن وبعد عنه؟
– كسوداني خارج السودان قد يكون من الصعب جدا أن أنصحه، خاصة أولئك الذين نشأوا في الغرب لذلك لن أضع الكثير من الضغوط عليهم بقولي لهم أن يفعلوا أشياء بطريقة معينة، بدلا من ذلك أود أن أنبه الآباء بحاجتهم إلى تعريف أطفالهم بالسودان والسودانيين.. تاريخنا ولغتنا وقيمنا.. وغيرها منذ سن مبكرة بحيث يتم توصيل ذلك الجزء القليل من هويتهم لتراثهم.
* هل يمكن أن تعود للسودان وتعمل به؟
– بالتأكيد إن شاء الله يوما ما في المستقبل غير البعيد سوف أعيش في السودان وأعمل مع عائلتي.
* أنت شاب ناجح ومجتهد ومشرف لبلدك نريد نصيحة منك للشباب؟
– شكرا جزيلا لكلامك اللطيف، ليس لدي أي نصيحة على هذا النحو، ولكنني أود القول بأن الذي دفعني دائما إلى العمل الجاد هو قناعتي المطلقة بأن هنالك الآلاف والآلاف من السودانيين المعاصريين الذين هم أكثر إشراقا مني وأكثر قدرة بكثير، لكن لم تتسن لهم الفرص التي أتيحت لي، وإلى الشباب السوداني في الخارج أود أن أقول أبدا لا تنسوا أن علينا جميعا واجبا لتحقيق الاستفادة القصوى من الفرص التي أتيحت لنا، وهناك كثيرون يستحقونها لكن لم يحصلوا عليها، وإلى الشباب في السودان لا تنسوا ذلك أيضا، لديكم الكثير من الإمكانيات بينكم مثل ما هي في أي مكان في العالم، واصلوا العمل الجاد وإن شاء الله الفرص الصحيحة ستأتي في طريقكم في الوقت المناسب، وإلى الجميع كونوا سعداء.
* كلمة أخيرة؟
– شكرا لكم جميعا مرة أخرى على لطفكم، وأقول عندما لبست جلابيتي في تخريجي لم يكن ذلك للسودانيين ليكونوا فخورين بي، على الرغم من أنني ممتن إلى الأبد لأن كثيرين كانوا معي وسعدوا بذلك، فأنا أردت أن أظهر كم أنا فخور بأنني من السودان، نحن أمة عظيمة، بوسعنا أن نجمع بين الحشمة البسيطة مع القيم السامية التي من النادر أن نراها. وفي جملة رئيسة في موسم الهجرة إلى الشمال كتب الطيب صالح (أنا أعلم الآن أن الحكمة القريبة المنال تخرج من أفواه البسطاء وهي كل أملنا في الخلاص).. هذه الجملة بقيت معي منذ أن قرأتها. لدينا الكرم والضيافة والتسامح والشفقة والشجاعة والمزيد، نعم لدينا العديد من المشاكل والأمور التي يمكن أن تكون صعبة جدا، لكن لا ينبغي أن يغيب عن بالنا ما يجعلنا عظماء وشعبنا عظيم. فالعظمة والرقي أبدا ليست مبان أو بترول أو مال، إنها قيمنا ومبادئنا ويجب علينا أن لا ننسى ذلك أبدا.
اليوم التالي