عبد الباقي الظافر

الرئيس في السعودية..!!


في نهاية العام «0991» زار الشيخ حسن الترابي المملكة العربية السعودية.. في ذاك الوقت بدأت الإنقاذ تبرز لحيتها.. الإقليم العربي أكثر اضطراباً بعد أن وصلت جيوش صدام حسين إلى دولة الكويت.. الدبلوماسية السعودية فضلت الحديث إلى عراب الثورة في ذاك الحين.. سيارات سوداء فارهة كانت في انتظار وفد الشيخ في مطار الرياض.. من المطار إلى حيث قصر الملك فهد.. حديث قصير عن السودانيين في المملكة.. كانت الرياض تتوقع أن يكون السودان في صفها.. كلمات قالها حسن الترابي جعلت الملك يتحسس عباءته الأنيقة إيذاناً بانتهاء المقابلة.. حينما خرج الوفد الزائر من باحة القصر لم يجد حتى سيارات المراسيم الملكية.
أمس الأول كانت طائرة الرئيس البشير تحلق في سماء مدينة الرياض السعودية.. الطائرة الرئاسية تتخطى المطار لتهبط في قاعدة الملك سلمان العسكرية.. أدنى سلم الطائرة كان يقف ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن نايف.. من بين الوفد السوداني يشمخ الفريق مصطفى عثمان عبيد رئيس هيئة الأركان الذي هو بالفعل يقوم بمقام القائد العام للجيش السوداني.. في كل تلك المشاهد كانت هنالك رسائل تؤكد انتقال العلاقة بين الرياض والخرطوم إلى مربع جديد.. تخصيص مطار حربي لمهبط طائرة الرئيس.. وأن يكون في الانتظار نائب الملك.. ثم قبل كل ذلك وجود قائد الجيش السوداني ضمن الوفد.
الصورة والصورة المغايرة توضح حجم التطور في علاقة البلدين.. كيف حدث هذا التحول الكبير.. وصول الملك سلمان إلى العرش أحدث انقلاباً في السياسة الخارجية السعودية.. الملك سلمان أعاد البصر كرتين وتأكد له أن التهديد الإستراتيجي للملكة والخليج عامة لا يأتي إلا من إيران.. وأن الحركات الإسلامية السنية يمكن أن تكون حليفاً يعتمد عليه أو عدواً يعمل له ألف حساب.. هذه الحركات لا تتعامل بمنطق تاريخي تقليدي.. قطع الارتباط بها يعني ارتمائها في أحضان إيران.. وربما يكون نموذج حماس في فلسطين والحركة الإسلامية في السودان أصدق تعبير لهذه التصورات الجديدة.. غزة والخرطوم حينما أغلق في وجههما الباب ذهبتا دون تردد إلى إيران وبات النفوذ الشيعي يتمدد في فضاءات جديدة.
الخطوة الثانية كانت من جانب المشير البشير الذي قرأ الخارطة جيداً.. حينما دعاه الملك سلمان للانضمام لعاصفة الحزم لإعادة الشرعية في اليمن لم يتردد الرجل.. الحقيقة أنه لم يشاور أحداً لا في الحزب ولا البرلمان.. لم يكتفِ البشير بأن يكون خلف السعودية بل كان أمامها في اليمن.. في ذاك الوقت لم يطلب البشير ثمناً للموقف السوداني ولم يتردد كما فعلت القاهرة وإسلام أباد.. بعض المراقبين اعتبر الموقف السوداني فيه بعض العجلة والاندفاع ولكن قابلات الأيام أثبتت غير ذلك.
في تقديري.. أن حصاد موقف السودان الجديد كان فيه كثير من الخيرات.. الاتفاقات الاقتصادية في مجال الكهرباء والزراعة وربما غير المعلنة في نواحٍ أخر تؤكد أن الرئيس البشير اتخذ الموقف الذي ينسجم مع مصالح الشعب السوداني.. السعودية تقدم اليد البيضاء للسودان في وقت صعب.. عائدات البترول انخفضت إلى أقل من 50% مقارنة بعامين.. حرب اليمن وإعادة إعماره تستنزف أموالاً ضخمة.. رغم ذلك ي حظى السودان بهذا الدعم الاقتصادي الكبير الذي أثر حتى على أسعار الدولار في السوق الأسود.
بصراحة.. مطلوب الاستفادة من نفوذ السعودية ومكانتها السامية بين السودانيين في إحداث تسوية شاملة في السودان.. بإمكان السعودية أن يصنع اتفاقاً يماثل اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان.