محمود الدنعو

حرب ضد الإنسانية


منذ أحداث باريس، ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تشتعل بتعليقات المعلقين وانتقادات المحتجين على هذا التعاطف الكبير الذي حظيت به تفجيرات باريس، في وقت لم تجد تفجيرات بيروت مثلاً نفس الاهتمام. وذهب البعض إلى أن هل بالضرورة عند كل تفجيرات يسعى المسلمون إلى الإعلان أن داعش ليست منا ولا تمثل الإسلام، ولماذا نضع أنفسنا فى موقع الدفاع دائماً، هل نحن محل شك وريبة فعلاً أم نحن من يسارع إلى وضع نفسه في هذا الموضع؟.
الكثير من الجدل تمور به منصات التفاعل الاجتماعي ولكن دائماً فى مثل هذه المواقف التى يضطرب فيها التفكير يكون اللجوء إلى الحكمة، والملك الأردني عبد الله الثاني أحد مستودعات الحكمة فقد كفى الجميع مشقة التفكير في الأمر حين نحت كعادته مصطلحاً جديداً واصفاً ما يحدث الآن بأنها حرب عالمية ثالثة ضد الإنسانية، حين قال وهو فى زيارة رسمية إلى كوسوفو: “أوروبا والإسلام يتعرضان لهجوم من آفة الإرهاب التي يمكن أن تضرب في أي وقت، موضحاً “نحن نواجه حرباً عالمية ثالثة ضد الإنسانية، وهذا ما يوحدنا”. ولفت إلى أن “كما قلت مراراً هذه حرب داخل الإسلام”، مؤكداً أن “جماعات مثل “داعش” تكشف عن نفسها يومياً بأنها مجموعة من المتوحشين الخارجين عن القانون والدين والمجردين من أية إنسانية ولا يحترمون أية قوانين أو حدود”. وأشار الملك إلى أن “علينا أن نتصرف بسرعة وبشكل متكامل للتصدي والرد على التهديدات المتداخلة سواء كان في هذه المنطقة أو في أفريقيا أو آسيا أو في أوروبا”.
إذن هذه هي القضية نحن أمام حرب ضد الإنسانية، لا مجال هنا لتحميل وزرها إلى جماعة معينة أو اتباع ديانة معينة فالإنسانية جمعاء هي المستهدف وعليها أن تعي ذلك من أجل التصدي لهذا الخطر لأن الانزلاق إلى تجريم دين أو طائفة أو أمة دون الأمم لن يفضى سوى إلى تفشي المزيد من الإرهاب بين المجتمعات التي ستأخذ برقاب بعضها في فوضى كونية شاملة تهدد بفناء البشرية.
إذن هي حرب ضد الإنسانية تهض بها الإنسانية في مواجهة الإرهاب وهو عمل يتطلب مشاركة الجميع، وقد رسم الملك عبد الله ثاني في نفس الخطاب خارطة طريق عملية للخروج من هذا المأزق الذي شدد على ضرورة تعميم وترسيخ قيم التسامح والعيش المشترك للوقوف في وجه الهمجية والوحشية التي ضربت باريس الأسبوع الماضي.
ومن أجل نجاعة هذه الخارطة عند التطبيق لابد من التأكد من استعداد الغرب لصيانهة هذه القيم بدلا هدرها في إطار ردة الفعل الآنية على التفجيرات وأخذ الناس والأديان بالشبهات.