انعدام تام بالعاصمة والولايات أزمة الغاز.. البرلمان والنفط يكذبان أم يتجملان؟
هل هو موجود ومتوفر لكنه”مدسوس” وما هي الجهات المتهمة؟
قرار إيقاف تجارة الفحم يضاعف حجم الاستهلاك
مطالبة برفع الدولة يدها عن السلعة وتحريرها أسوة بالقمح
وزراء مالية بالولايات.. الحصة غير كافية
تحقيق: صديق رمضان
أمام إحدى محطات الوقود بحلة كوكو بمحلية شرق النيل سألت مواطنا يجلس على اسطوانة بعد أن أعياه الوقوف على رجليه، عن أسباب هذه الزحمة التي بدأت واضحة للعيان أمس في المحطة الواقعة غرب كلية البيطرة، فأجابني متبرماً: طفت بركشة كل أحياء الحاج يوسف ولم أجد غازاً وحضرت هنا منذ العاشرة صباحاً وها هي الشمس تنتصف في كبد السماء ولازلت منتظراً، ومنظر الرجل الأربعيني الذي كان ساخطاً مثل غيره من الذين وقفوا في الصف الطويل أمس يبدو مشهدًا متكررًا في معظم ولايات البلاد إن لم تكن جلها، ومن خلال تطواف الصيحة أمس على بعض الأحياء بالعاصمة مقروناً بمعلومات من الولايات فقد تأكد لنا أن ما يتحدث عنه البرلمان ووزارة النفط ليس له وجود على أرض الواقع من حيث الوفرة المزعومة والأسعار المدعومة.
تأكيدات أم امتصاص
حسناً.. قبل استعراض أزمة الغاز بعدد من الولايات دعونا أولاً نستدعي حديث وزير النفط بالبرلمان وكذلك تأكيدات رئيس لجنة الطاقة والتعدين بالهيئة التشريعية لنقرنهما لاحقاً بالواقع المجرد بالولايات، وفي هذا الصدد فقد أكد وزير النفط “محمد عوض زايد” خواتيم الأسبوع الماضي أن سعر أسطوانة الغاز في ولاية الخرطوم هو (25) جنيهاً فقط، وطالب المواطنين بفتح بلاغات جنائية في مواجهة أي وكيل يبيع بأعلى من هذا السعر، مبيناً أنهم (ما عارفين يعملوا شنو مع الناس البيبيعوا الغاز ليلاً)، مؤكداً في ذات الوقت أن مخزون الغاز الطبيعي مطمئن، وأكد وزير النفط أن وزارته ليست مسؤولة عن التسعير وأن وزارة المالية هي المسؤولة عنه، لافتاً إلى أن ما يخص وزارته هو إجراء الضوابط الفنية، بمعنى أن يكون أي غاز موجوداً في البلد مطابقاً للمواصفات العالمية والدعم اللوجستي مثل التفريغ والتوزيع وهذه الأسعار من وزارة المالية، وحدد وزير النفط أسعار الأسطوانة في الخرطوم بسعر (25) جنيهاً للمواطن وتباع للوكيل بـ(17) جنيهاً، بينما في ولايات الجزيرة والنيل الأبيض والقضارف تباع للوكيل بـ(19) جنيهاً وللمواطن بـ(27) جنيهاً، وفي شمال وجنوب كردفان والنيل الأزرق تباع للوكيل بـ(22) جنيهاً فيما تباع للمواطن بـ(30) جنيهاً، مؤكداً أن أعلى سعر لأسطوانات الغاز في دارفور ويبلغ سعرها (35) جنيهاً للمواطن، مجدداً التأكيد بأن أي وكيل يبيع أعلى من الأسعار المحددة فعلى المواطنين فتح بلاغات ضده.
موجود و”مدسوس”
حديث وزير النفط الذي أكد توفر الغاز بل وحدد أسعاره مضت على هديه رئيس لجنة الطاقة والتعدين بالبرلمان حياة الماحي التي تحلت بالشفافية بعض الشيء وهي تتهم جهات ـ لم تسمها كعادة مسؤولي الدولة ـ باحتكار سلعة الغاز مما ادى الى حدوث أزمة بالبلاد، وفيما قطعت بتوفر كميات كبيرة قالت: “الغاز موجود لكن مدسوس “، وأكدت حياة استلام كافة الولايات حصتها من الغاز، بالإضافة الى وصول باخرتين الى ميناء بورتسودان محملة بالغاز لإغراق السوق، وأضافت: ” قصدنا نغرق البلد بالغاز عشان الناس الداسنو يطلعو، وزادت: في غاز كتير جداً في البلد “وأشارت إلى عدم وجود أزمة في الاعتمادات المالية ببنك السودان وقالت” البنك ما عندو مشكلة دفعيات ولا توجد مشكلة غاز”.
شرق دارفور.. مجرد نموذج
إذن لنقرن حديث وزير الطاقة ورئيس لجنة الطاقة بالبرلمان بالواقع في عدد من الولايات ولتكن بدايتنا من ولاية شرق دارفور والتي وصل فيها سعر أسطوانة الغاز حتى امس حاجز الثمانين جنيهاً، وفي هذا يشير وزير المالية بالولاية الحاج محمد علي تبن في حديث لـ(الصيحة) الى ان شرق دارفور تشهد تنامي الطلب على الغاز، وذلك عقب قرار إيقاف قطع الحطب، مؤكداً أن المطروح من الغاز بالولاية أقل من الحاجة المطلوبة للمواطنين، قاطعًا بأن الكميات التي تصل الضعين أقل من المطلوب، مقرًا بارتفاع أسعار الغاز ، وأردف: ” بكل صراحة الموجود من الغاز لا يكفي وأسعاره عالية”، وأضاف: أسباب ندرة الغاز بالولاية متعددة ولكن أولها قلة الشركات العاملة في هذا المجال بالولاية حيث تبلغ 2 فقط رغم ان شرق دارفور بها سوق واعد واستهلاك عالٍ، وهذا الأمر جعلنا نطرح في الخارطة الاستثمارية للولاية امتيازات جاذبة لشركات الغاز حتى تشييد مستودعات للسلعة الهامة بالضعين، وأشار الى أن من أسباب أزمة الغاز الأخرى أن الوكلاء موجودون فقط بالضعين حيث تعتمد المحليات بشكل أساسي على حاضرة الولاية، وأشار الى أن قرار منع قطع الحطب ضاعف من الأزمة خاصة في الأفران التي وبسببها طالبت حكومة الولاية بزيادة نصيب شرق دارفور وذلك لأنها ما تزال تعمل بالحطب وفي المستقبل تحتاج الى الغاز، وجدد تأكيده على أن الغاز المتوفر بالولاية اقل من المطلوب، وناشد الشركات العاملة في هذا المجال للاستثمار في شرق دارفور لسوقها الواعد.
شمال كردفان.. دعوة للتحرير
أما في ولاية شمال كردفان التي تستعد لاستقبال الدورة المدرسية فلا يبدو واقع الغاز فيها بأفضل من شرق دارفور، ويشير رئيس توزيع الغاز عثمان عبد اللطيف في حديث لـ(الصيحة) إلى أن الولاية تمر بأزمة حادة في غاز الطبخ، ويقول إنه رغم تعليق قرار حظر قطع الحطب فإن الأزمة ما تزال قائمة، عاداً قرار منع قطع الحطب تخبطاً وعشوائية من الحكومة وذلك لأنه لم يأت مدروساً ولم تعمل الدولة على توفير البدائل لقطاع غاز ظل يستعمل الحطب في طهي الأكل وصناعة الخبز بالأفران ـ حسب تأكيده ـ وقال إن الجهات المسؤولة تؤكد أن السعر الرسمي للغاز بالولاية يبلغ 35 جنيهاً إلا أنه والحديث لعثمان عبد اللطيف وصل حالياً الى محطة التسعين جنيها ورغم ضخامة المبلغ إلا أنه غير موجود هذه الأيام حسبما يؤكد، ويرى أن الأسباب المباشرة وراء تطاول أزمة الغاز تتمثل في احتكاره من قبل الدولة التي طالبها بفك احتكارها وجعل عمليات استيراده متاحة لكل الشركات أسوة بالدقيق ، مبيناً أن حاجة شمال كردفان الفعلية في الشهر تبلغ 950 طناً من الغاز للاستهلاك المنزلي والأفران، غير أنه يوضح بأن النسبة التي تصل الولاية في الشهر لا تتجاوز الأربعين طناً، وقال إن والي الولاية قرر أن تتم استضافة وفود الدورة المدرسية في منازل المواطنين الذين كشف عن عدم قدرتهم على صنع الغاز في ظل الأزمة الحادة التي تشهدها الولاية في السلعة الاستراتيجية.
بحر أبيض..الأزمة شاخصة
أما بولاية النيل الأبيض فإن الغاز دخل السوق الأسود الذي بات الخيار المفضل للمواطن وذلك لتجنب الصفوف الطويلة التي تتراص أمام منافذ التوزيع الرسمية، ويشير وزير المالية بالولاية الدكتور عيسى أبكر في حديث لـ(الصيحة) الى ان وجود نقص عام في سلعة الغاز بالبلاد ، رغم إشارته الى وجود كميات جيدة في مستودعات الولاية، وقال: نتابع ما يدور في عملية توزيع الغاز، وقد أصدرنا عددا من التوجيهات حتى تنساب السلعة الى المواطنين مباشرة دون معوقات، ولكن وصلتنا شكاوى من المواطنين توضح عدم وجود السلعة في عدد من المراكز بالإضافة الى وجود تلاعب وممارسات خاطئة من قبل البعض وذلك بتسريب الغاز الى السوق الأسود، وقد تم اتخاذ العديد من الاجراءات لتغيير الكيفية التي يتم بها توزيع الغاز ونسعى في كل مرة للبحث عن الطريقة المثلى التي تكفل توفر السلعة للمواطنين مباشرة، وقال إن المواطنين يشترون الاسطوانة بخمسين جنيهاً حسب إفادات الكثير منهم بدلاً عن سعرها الرسمي البالغ خمسة وثلاثين جنيهاً، وقال إن هناك من يعمل على تأجير البعض للوقوف في صفوف الغاز لشراء اكبر كمية من الاسطوانات ليبيعها في السوق الأسود وللقضاء على هذه الظاهرة اتخذوا ايضًا عددا من القرارات، ويؤكد أن المخزون الموجود من السلعة جيد إلا أنه يعتبره غير كافٍ للاستهلاك المحلي بالولاية التي أرجعوا من قبل جزءاً من حصتها كانت في طريقها لولاية الجزيرة.
القضارف..أغلى من الذهب
في ولاية القضارف وصل سعر تغيير اسطوانة الغاز حتى ظهر امس إلى ثمانين جنيهاً وذلك بحسب وكيل احدى شركات توزيع الغاز والذي “فضل حجب اسمه” وأشار إلى ان الأزمة الحقيقية يواجهها أصحاب الأفران هذه الأيام وذلك لانعدام الاسطوانات الكبيرة، وقال إن سلطات الولاية سعت لحل أزمة الغاز التي أكد أنها ظلت تراوح مكانها منذ بداية هذا العام وذلك بتوزيعه عبر الاتحاد التعاوني بمنحه80% من حصة الولاية فيما يتم منح الوكلاء 20%، ولفت الى أن هذه الطريقة ايضاً لم تحُل دون تسرب الغاز الى السوق الأسود ويعتقد أن السبب يكمن في أن الحصة التي تصل الولاية غير كافية مما يسهم في تنامي حركة السوق الأسود، وشدد الوكيل على ضرورة ان ترفع الدولة يدها عن الغاز وقال إنها السبب المباشر في أزماته المتكررة وأن تسمح للشركات بالاستيراد المباشر وذلك لإغراق السوق بالسلعة، معتبرا حدوث هذا يعني توفره للمواطن وأضاف: نعم الدولة تشير الى دعمها للسلعة وفي حالة تحريرها فإن الدعم يتم رفعه وهذا في تقديري ليست مشكلة كبيرة فزيادة سعره الى ستين جنيها وتوفره أفضل من أن يكون مدعوماً وغير متاح فيتجه المواطن نحو السوق الأسود، وقال إن التوزيع عبر الاتحاد التعاوني بالقضارف لم يحل بين ظهور السماسرة الذين يشترون كميات كبيرة عبر آخرين ويطرحونها في السوق الأسود، وقطع بأن الدولة حتى الآن لا تعرف حجم الاستهلاك الحقيقي للغاز بمختلف ولايات البلاد وأنها تعتمد على ارقام تقديرية والدليل على ذلك انها لم تزد من حصص الولايات عقب قرار منع قطع الحطب الذي كان يستوجب زيادة الكميات المطروحة لارتفاع الطلب على الغاز حتى من قبل كماين الطوب .
شمال دارفور..72 جنيهاً السعر الرسمي
نعم لم تدخل ولاية شمال دارفور في اختناق بسبب الغاز ولكن سعره الرسمي المحدد من قبل حكومة الولاية يبلغ 72 جنيهاً وهو ضعف السعر الذي اشار إليه وزير الطاقة بالبرلمان، ويشير مدير الإدارة العامة للبترول والنقل بالولاية، حامد عبد الرحمن، الى أن الكمية التي تصل الولاية غير كافية إلا أنهم وبفضل السياسة التي ظلوا يتبعونها تمكنوا من ضبطها وجعلها متاحة للمواطنين خاصة في الفاشر التي توجد بها شركات ووكلاء الغاز على عكس المحليات التي تحادها والمعتمدة بشكل مباشر عليها ، وقال إن استهلاك الولاية في الشهر يبلغ 375 طناً إلا أن الكمية التي تصلهم تبلغ 190 طناً، وقال إنهم وعقب قرار حظر الحطب طالبوا برفع حصة الولاية الى 1400 طن وذلك لاعتماد قطاع واسع من المواطنين على الحطب في صناعة الطعام ،لافتاً الى أن بالولاية شركتين فقط تمتلكان مستودعات وأخيرًا وافقت شركة أبرسي مشكورة على تفريغ جزء من مستودعاتها لشركة ثالثة حتى تعمل بالولاية، غير ان مدير الإدارة العامة للنقل والبترول اشار الى أن ارتفاع سعر الأسطوانة الى 72 جنيهاً يعود بشكل مباشر الى تأخير التناكر لأكثر من أحد عشر يوماً بالنهود بسبب الطوف، ويرى أن هذا الأمر يضاعف من تكلفة الترحيل، وطالب باستثناء التناكر من الطوف حتي تنخفض الأسعار.
كسلا.. معاناة لا تنتهي
في كسلا التي عبر مواطنوها من قبل عن أزمة الغاز في وجه وفد من الحزب الحاكم كان يقوده فيصل حسن ابراهيم برفعهم لاسطوانات الغاز في تعبير عن مدى استيائهم من اسمرار الأزمة بالولاية لأكثر من عام، فإنها حتى نهار امس فإن سعر الاسطوانة بلغ 120 جنيهًا في سوقها الأسود فيما يبدو غير متوفر في معظم محال بيعه، ويشير رئيس الأمانة الاقتصادية بالمؤتمر الوطني بالولاية المهندس محمد سعيد في حديث لـ(الصيحة) الى أن أزمة الغاز بالولاية موجودة منذ أكثر من عام وتتفاوت من محلية إلى أخرى، إلا أنه يؤكد وجودها بصورة واضحة بمدينة كسلا، ويرجع الأمر الى أن اكثر الاسطوانات استعمالاً تعود لشركة محددة وهذا جعل الأزمة تتكرر منذ عامين واحتكار الشركة جعلها تتحكم في السوق ،وقال إن هذا الأمر جعل شركتين تعملان على إنشاء مستودعات بكسلا بالإضافة الى الموجودة بخشم القربة وذلك لزيادة كمية التخزين، وقال إن تهريب الغاز خارج البلاد من الأسباب المباشرة للأزمة بكسلا، ويرى أن اكبر المشاكل الحقيقية تكمن في عدم حصر الحاجة الفعلية للولايات خاصة بعد زيادة الطلب على الغاز بعد ايقاف تجارة الفحم، وقال إن والي الولاية بذل جهدا كبيراً خلال الفترة الماضية لحل الأزمة وذلك بزيادة ثلاثة آلاف اسطوانة لتخفيف الأزمة ، ويعتقد الخبير الاقتصادي أن الحل يكمن في إجراء حصر حقيقي لحاجة الولايات حتى تتمكن الدولة من تحديد الكمية المطلوبة بالإضافة الى التعامل بحزم مع عمليات التهريب.
الصورة تتضح
قد تكون الدولة جادة في الاجراءات التي تتبعها لضبط عمليات انسياب الغاز نحو الولايات وجعله متاحاً للمستهلكين،وأيضا قد تكون صادقة في استيرادها كميات كبيرة، إلا أن الحقيقة تؤكد وجود أزمة غاز بعدد من الولايات والإفادة رفيعة المستوى والعالية توضح وجود أزمة في الغاز حلها بحسب من تحدثوا تحديد الحاجة الفعلية للولايات بالإضافة الى رفع الدولة يدها من السلعة.
الصيحة