بالصور: حوار مع صديق الملا عمر يكشف أسرار زعيم طالبان.. المتوكل أكد وفاة الملا عمر قبل سنتين
نقل موفد “العربية” إلى كابول عاصمة أفغانستان، محمود الورواري، مشاهداته عن المدينة، والتقى خلال جولته بقيادات “طالبان”، أبرزهم صديق الملا محمد عمر، زعيم طالبان المقتول قبل سنتين. الورواري أنجز عدة مقابلات لبرنامج “منارات” وأنجز فيلمين وثائقيين.
وأجرى الزميل محمود الورواري مقابلة حصرية مع الملا مولوي أحمد متوكل، وزير خارجية طالبان، ومدير مكتب الملا محمد عمر شخصيا، كشف خلالها أسرار الملا عمر، بعضها ينشر لأول مرة، عن حياته الشخصية وعلاقته بأسامة بن لادن، ولماذا أخفت طالبان وفاة الملا عمر سنتين كاملتين.
أهمية هذا الرجل، تكمن في أن مولوي أحمد متوكل هو الصديق المقرب جدا من الملا عمر، وقد كان اللقاء فرصة للاستفسار عن حقيقة إخفاء وفاة الملا عمر لمدة سنتين. المتوكل أكد للعربية، أن الملا عمر توفي منذ عامين، وتم إخفاء الخبر حتى لا تتصدع حركة طالبان من الداخل.
وكانت المفاجأة الأخرى، حين وافق رجل ثقة الملا عمر، على تزويد “العربية” بصورة شخصية نادرة للرجل الغامض الملا عمر، تختلف تماما عن عشرات الصور المنتشرة في الأنترنت عنه.
المتوكل أبلغ العربية، أن تلك الصور غير الحقيقية (رجل بعين مفقوء ولحية كثة) هو تمويه من طرف طالبان، لدواع أمنية، بغية إخفاء حقيقة وجه الملا عمر، المطارد من قبل المخابرات الأمريكية.
وقال الورواري إنه عندما عرض على المتوكل، فيديو لشخص يظهر وهو يحمل فوق كتفه سلاح “أر بي جي”، وقيل للعربية، إنه هو الملا عمر شخصيا، اكتفى المتوكل بالابتسامة، دون أن ينفي أو يؤكد صحة الفيديو.
وهنا النص الكامل لمشاهدات مراسل العربية محمود الورواري بقلمه:
ما من مسؤول أو متخصص التقيته في كابول إلا وأكد لي بأن “داعش” هو الرعب القادم للروس، وهذه المرة تأتيهم من أفغانستان، من الحدود الشمالية عبر التوغل والانتشار في الجمهوريات السوفييتية السابقة، الملاصقة لأفغانستان، هذا الرعب ليس وهمًا ولا توقعًا، بل أصبح حقيقة ماثلة للعيان يرصدها المتابعون والعارفون.
منذ شهور بث موقع “داعش” على الإنترنت الناطق باللغة الروسية شريط فيديو يوضح إعدام شخصين من مواطني كازاخستان من قبل صبي لم يتجاوز العاشرة من عمره.
أهمية هذا تأتي من عدة جوانب، أولا أنه تأكيد فعلي على تمكن “داعش” كتنظيم من التوغل والدخول إلى ممالك الروس القديمة، وهذا ترجمة فعلية على تهديد التنظيم” لبوتين” ردا على ضربه لسوريا وأن المعركة مع “داعش” ستنتقل إلى الداخل الروسي.
في نفس الوقت هناك تصريح مهم وخطير ويحوي جُملاً تحتمل التأويل لمدير دائرة آسيا الثانية بوزارة الخارجية الروسية ويدعى “زامير كابولوف” بأن مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) يتجمعون في شمال أفغانستان على مشارف آسيا الوسطى، وقد وصل عددهم إلى خمسة آلاف عنصر. وأضاف أن “هناك يدا خفية تدفع عناصر من (داعش) إلى التجمع على الحدود الشمالية لأفغانستان، وقال: “قوات داعش لا تشتبك أبدًا مع القوات الأمريكية أو مع القوات الحكومية الأفغانية”.
إشارات الرجل لا يمكن أن تمر مرورًا سريعًا، إنها تحمل اتهامًا مباشرًا بأن هناك من يدير “داعش” في حربها ضد الروس، وأن هذه الأيادي هي نفسها التي أدارت معركة مع الروس في ثمانينيات القرن الماضي، وأدت في النهاية إلى هزيمة وانسحاب الروس من أفغانستان.
الرئيس بوتين اجتمع مع قادة الجمهوريات الروسية السابقة، خصوصًا تلك المحاذية لأفغانستان، وشكل معهم قوة لحماية الحدود لمنع تسرب عناصر داعش إلى الأراضي الروسية.
روسيا و”طالبان”
هناك رؤية يتم تداولها على أنها أمر متوقع حدوثه، وأخرى تُطرح على أنها حقيقية، وهي أن روسيا قد تلجأ إلى الأعداء القدامى وهم حركة طالبان لتتحالف معهم من أجل محاربة “داعش”، مستغلة القلق الطالباني من توسع نفوذ “داعش” الذي يملك العتاد والمال والإمكانات.
وفعلًا ذكر موقع “دايلى بيست” الأمريكي، أن حركة طالبان تجري اتصالات مع الدول المجاورة لها من الأعضاء السابقين في الاتحاد السوفييتي، وحتى مع روسيا التي أخرجتها من أفغانستان عام 89.
الأخبار تقول إن حكومة طاجيكستان هي التي تدير الحوار بين طالبان وموسكو، وهنا أسئلة كثيرة لا أملك إلا أن أطلقها في فضاء التأمل، أن الولاية الأفغانية التي سقطت في يد “طالبان” مؤخرا هي قندوز القريبة جدا من طاجيكستان.
هل أعطى الروس أسلحة إلى طالبان فعلا للمساعدة في حربهم ضد “داعش”؟
الموقع أشار أيضًا إلى أن “الجنرال عبد الرشيد دوستوم” القائد الطاجيكي والنائب الأول للرئيس الأفغاني أشرف غني قد زار موسكو وجروزنى في وقت سابق هذا الشهر، وشن هجومًا على “داعش”، قال فيه إن دول الكومنولث من الدول المستقلة عن روسيا وحتى طاجيكستان وتركمانستان، جميعها مستعدة للوقوف معنا ضد “داعش”.
في نفس الوقت أعلن د.عبد الله عبد الله في مؤتمر صحفي في كابول أن موسكو أعلنت أنها ستدعم حكومة كابول في حربها ضد الإرهاب.
هنا أعود إلى قرار أوباما بإبقاء الجنود الأمريكيين لعامين آخرين في أفغانستان، هل هو جزء من هذه التطورات في أفغانستان؟
هل هو عصب الصراع الأمريكي الروسي الدائر بالفعل في أفغانستان؟
“داعش” وأفغانستان
جميع المسؤولين الذين التقيتهم في أثناء وجودي في كابول اتفقوا على إجابة واحدة كلما سألتهم عن وجود تنظيم “داعش” في أفغانستان؟
بلا أي تفكير يردون “ليس بالحجم الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام الأجنبية”.
وقتها وبهدوء أذكر لهم ما قالته وأعلنته لجنة “القاعدة- طالبان” التابعة للأمم المتحدة “التي أكدت أن تنظيم داعش يزداد نفوذا في أفغانستان على حساب طالبان، ويكتسب شعبية أكبر بين المقاتلين.
وأن مجموعات مسلحة مرتبطة بالتنظيم تنتشر في 25 إقليمًا بأفغانستان.
يدير المسؤول وجهه بعيدًا ويقول لي: “الوضع الأفغاني معقد، طالبان لا يمكن أن تسمح بوجود داعش وهي تحاربه”.
أرد فورًا مستندًا إلى تقرير لجنة “القاعدة وطالبان” التابعة للأمم المتحدة، أن “نحو 10% من أعضاء حركة طالبان الفاعلين يؤيدون داعش”، لكن هذا الرقم ومعظم المنضمين الجدد هم أفراد تم تجنيدهم من مجموعات المسلحين، بعضهم على خلاف مع القيادة المركزية لحركة طالبان أو يريدون الإعلان عن هوية مختلفة من خلال ابتعادهم عن طالبان التقليدية.
وأوضح التقرير أن المجموعات الموالية لـ”داعش” تقاتل بانتظام القوات الحكومية الأفغانية، لكنها نادرًا ما تقاتل التنظيمات المسلحة الأخرى.
عبد الحكيم مجاهد
إلى أحد أحياء كابول حيث يقع مقر مجلس الأمن والسلم الأفغاني ذهبت، وبعد أسوار وحراس وتفتيش مرهق للغاية وصلت إلى الملا عبد الحكيم مجاهد، واحد من مؤسسي حركة طالبان، وأصبح مندوبها الدائم في الأمم المتحدة منذ نهاية التسعينيات، لكن الأمم المتحدة ومعها أمريكا والمجتمع الدولي رفضت الاعتراف بطالبان كسلطة تحكم أفغانستان، ولما فشلت مساعيه لم يرجع إلى أفغانستان بل ظل يدير الأمر من مكتب خاص في أمريكا ووقتها كان هو مهندس الحوار الذي دار بينه وبين حكومة بوش الابن، وظل الحوار الطالباني الأمريكي قائمًا حتى وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وقتها كان عبد الحكيم مجاهد هو صاحب المبادرة التي طالبت بضرورة تسليم أسامة بن لادن، وقال وقتها: نضحي بشخص خير من أن نضحي بأمة كاملة -كان يقصد أفغانستان-.
في الصباح الباكر وهنا ملحوظة جديرة بالإشارة أن الشعب الأفغاني يستيقظ مبكرًا جدًّا مع أذان الفجر ومع إشراقة الشمس تكون الشوارع ممتلئة عن آخرها وهكذا ينامون مبكرًا، ويجوعون بسرعة، أشياء حينما سألت عرفت أن لها علاقة بالطبيعة الجغرافية للبلد، لأنها محاطة بالجبال التي تبث طاقة إيجابية دائمة تجعله شعبًا نشطًا جدًّا، ونادرًا ما تجد شخصًا سمينًا أو ظاهرة الكروش تكاد تكون مختفية تمامًا.
عمومًا التقيته في مكتبه، كان متواضعًا كريمًا، ما زالت لحيته سوداء لم يغزُها البياض والشيب.
قال لي هذا مجلس السلم والأمن الذي أسسه حامد كرزاي عام 2010 ليتولى أمر المصالحة بين المختلفين في البلاد خصوصًا “طالبان”، ولكن حتى الآن لم تحدث المصالحة.
“طالبان” تريد اختطافي فجئت إليك بقدمي`
كانت التساؤلات تفور في داخلي تريد أن تنسكب عليه.
ابتسم بخبرة وقال: انتظر حتى تدور الكاميرا.
ضحكنا وقال: أنا أجيد التعبير عن ذاتي بالإنجليزية وأخاف أن يضحك عليَّ العرب حين يسمعون لغتي العربية.
كان حقًّا متواضعًا.
هو لا يعرف أن العربية باتت غريبة بين أهلها.
مازحته: أنت تعرف العربية أفضل من أهلها، لنتحدث بالعربية.
أذكر أنني بدأت معه بأنه ألم يئن الأوان بعد لتعلن أسرار المرحلة 2001، خصوصًا مبادرتك بتسليم أسامة بن لادن؟
قال: لم يكن تسليم أسامة بن لادن بالمعنى الواضح للتسليم، وإنما حتى نجعله يغادر أفغانستان، فيجنبنا ما حدث لنا.
وما الذي حدث؟
قال: عرضت الأمر على الملا مولوي أحمد متوكل الذي كان وزيرًا للخارجية وقتها، وكان متحدثًا باسم الملا محمد عمر ومدير مكتبه وصديقه الشخصي الأمين، قال لي وقتها: اترك لي الأمر وسأرد عليك. بعد أيام قال لي: الملا عمر يرفض ويقول إن الأمريكيين سيحتلوننا حتى لو طردنا أو سلمنا أسامة بن لادن.
وبالتالي رفض العرض.
أكملت حواري مع الرجل وكلي شوق لمقابلة الملا مولوي أحمد متوكل.
عبر أصدقائي القدامى أيام 2002 وما بعدها ذهبت إليه في بيته، استقبلنا بتواضع جمّ، مازحته:
عرفت أن “طالبان” تريد اختطافي فجئت إليك بقدمي.
هو يفهم العربية جيدًا، لكنه لا يتحدثها أو لا يريد أن يتحدث معي بالعربية. هو يخاف من الإعلاميين أو يتحسس من الحديث معهم ويختار مفرداته بعناية، لذا يتحدث الفارسية أو البشتونية وأحاوره عبر مترجم.
قال لي: “ومن دخل بيتي فهو آمن”.
تسليم بن لادن
قلت له: حين عرض عليك الملا عبد الحكيم مجاهد عام 2001 بتسليم أسامة بن لادن أو طرده من أفغانستان لماذا رفضت مبادرته؟
وماذا قال لك الملا محمد عمر رحمه الله؟
قال: أنا كوزير خارجية عملت شغلي عرضت الأمر على كثير من الدول العربية والإسلامية التي هي مستعدة لتسلم أسامة بن لادن، وللأسف لم تتقدم دولة واحدة لتسلمه.
ونحن ما كنا سنسلمه إلى الأمريكيين، نحن كدولة مسلمة كنا نريد أن نسلمه إلى دولة مسلمة نعرف جيدًا قوانينها.
ثم الأمريكيون لم يعطونا فرصة، فورًا حصلت المعارك والاحتلال والضرب، والملا عمر كان حريصًا جدًّا في التعامل في أمر أسامة بن لادن.
وهنا كان عليَّ أن أنتهز الفرصة لأعرف الكثير عن الملا عمر الرجل الغامض والزعيم الملهم لهم.
أنا أمام كنز معلوماتي، أمامي الصديق الصدوق وكاتم الأسرار ومدير مكتبه والمتحدث باسمه.
هل فعلا الملا عمر مات منذ عامين و”طالبان” أخفت الأمر؟
نعم.
“طالبان” أرادت ترتيب بيتها من الداخل ثم تعلن الخبر.
موت الملا عمر زلزال كبير ممكن يدمر الحركة ولا يقل عن أثر مقتل أسامة بن لادن على “القاعدة”.
صور الملا عمر
قلت له: “اسمحلي أنا أعرف أن الصور التي يتم تداولها للملا عمر ليست صحيحة هل ممكن أن تعطني صورة له؟”.
رفض في البداية لكن عبر صديق مخلص له ولي وبعد إلحاح أرسل صورة عبر هاتفه الشخصي إلى هاتف صديقي، وصديقي بدوره أعطاها لي، حقًّا كانت مفاجأة، كلنا نتابع صورة الملا عمر بعين واحدة وعجوز، لكن الصورة التي أمامي لشخص بعيون زرقاء وملامح تجعله نجمًا هوليوديًّا بامتياز. حملت الصورة وبعد أقل من أسبوع كان معي فيديو للملا عمر، هنا أشعر بحق بكينونتي الصحفية، وهنا يكتب لك ما لا يكتب لآخرين.
سألته عن الصراع الدائر بين “طالبان” و”داعش” ورحت أسرد له بعضًا مما يقوله الأمريكيون عن الوجود الداعشي في أفغانستان، خصوصًا قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، الجنرال “جون كامبل”، الذي أعلن أمام لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ، أن تنظيم “داعش” متمركز في محافظة “نانجارهار” بجنوب شرق البلاد، وظهر في محافظات مثل هلمند وساري بول، ولكن تركيزه منصب على نانجارهار.
وأضاف كامبل أن “داعش” يجند عناصر من طالبان باكستان، ويريد أن يجعل من مدينة جلال آباد عاصمة له هناك، وهي تقع في تقاطع نهري كابول وكونار.
طالبان أقوى من داعش
أجاب الملا مولوي أحمد متوكل بأن “طالبان” أقوى بكثير من “داعش” وأن “داعش” وجودها طارئ ويزول سريعًا.
واستبعد أن تتحالف “طالبان” مع الروس في حربها ضد “داعش” أو غيرها، “طالبان” حتى لو ضعفت بعد موت الملا عمر لكنها ثابتة، لأنها من طين الأرض الأفغانية.
كان الرجل يذكرني بنشأة حركة طالبان بأنها حركة إسلامية لطلبة المدارس الدينية التي نشأت في ولاية قندهار الواقعة في جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994 على يد الملا محمد عمر، حيث رغب في القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان، وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميرًا لهم عام 1994، ومنذ عام 1996 بسطت الحركة سيطرتها فعليًّا على أجزاء واسعة من أفغانستان.
كان واضحًا أن مولوي أحمد متوكل، وزير خارجية حكومة طالبان الذي سلم نفسه للأمريكيين بعد سقوط حكومته واحتلال أفغانستان وسجن لمدة عامين في سجن باجرام ولما خرج كان مقربًا من حامد كرزاي الذي تولى إدارة البلاد مدنيًّا، حتى انتخب رئيسًا عام 2004، ظل الملا متوكل قريبًا منه. وما زال الرجل يحظى بكثير من الاحترام، بل إنه السياسي الأهم الآن في كابول، كان واضحًا أن حنينه لـ”طالبان” ما زال قائمًا.
رحلة كابول
وخلال رحلته إلى كابول، أنجز محمود الورواري فيلمين وثائقيين، الأول عن أفغانستان بعد 14 عاما من الحرب، والثاني عن الوضع بعد الاتفاقات الأمنية مع الأميركيين، كما أنجز مجموعة مقابلات لبرنامج “منارات” عبر استضافة سبع شخصيات من مفكرين وسياسيين أبرزهم الملا مولوي أحمد متوكل، الصديق الشخصي للملا محمد عمر مؤسس حركة طالبان عام 94 والتي وصلت إلى الحكم عام 96.
العربية