عبد الباقي الظافر

آخر الرجال المحترمين..!!


قبل أشهر ذهبت لمناسبة زواج ابن أحد أصدقائي بالخرطوم.. لفت نظري عدد من الشباب يحملون كرسياً فخماً وضخماً ليضعوه على ناصية المسرح .. بعدها بصعوبة وصل الفنان صلاح بن البادية إلى حيث الكرسي.. ذاكرتي تركت المكان لتسرح مع الفنان الشاب صلاح بن البادية في فيلم رحلة عيون حينما ينزل إلى البحر بملابس صيفية.. أغلب الظن أن رحلة بن البادية الفنية امتدت لنصف قرن.. صلاح لا يفكر في الاعتزال بل يسعى في توريث الفن.. في حوار أجراه زميلنا معاوية محمد علي حدد الفنان الكبير خليفته حينما أشار بأصابعه إلى حفيده الفنان الشاب معاذ بن البادية ليكون الخليفة المنتظر.
قبل أيام دعا مولانا أحمد إبراهيم الطاهر مجموعة من كبار السياسيين لحفل عشاء جامع.. ذهب إلى الملتقى الرئيس ونوابه وبعض من مساعديه.. نقل مولانا خبراً سعيداً.. حينما أكد اعتزاله العمل السياسي التنفيذي.. مولانا الطاهر تفرغ للعمل الخاص عبر مكتب محاماة يديره برفقة بعض المحامين الشباب.. بالطبع لم تأخذ «الهاشمية» أحد الكبار ليعلن أنه بصدد الاعتزال ولو بعد حين.. اعتزال مولانا أحمد الطاهر يكتسب أهمية أنه جلس على مقعد الشيخ الترابي بعيد المفاصلة ولنحو خمسة عشر عاماً.. بل كان طوال سنوات ما بعد المفاصلة عضواً فاعلاً في «السوبر تنظيم» الذي يسيّر أعمال الدولة في أطراف الليل .. في آخر تشكيلة كان مولانا أحمد إبراهيم الطاهر غاب قوسين من إصابة منصب رئيس مجلس الولايات.
لن تضتح أهمية قرار إبراهيم الطاهر إلا بمقارنته بغيره من الساسة و المشاهير.. في بداية هذا الشهر غضب شيخ علي عثمان من الصحافة لأنها أوردت أن الرجل اعتزل السياسة وتفرغ للعمل الطوعي.. حينما شاع الخبر استدعى الشيخ إلى منزله اثنين من الصحفيين ليخبرهم أنه مازال في الملعب وخرج بطوعه من التشكيلة و ليس هنالك ما يحول بينه والعودة إلى الملعب السياسي.. ومضى علي عثمان يعدد عضويته في مجالس الحكم من برلمان إلى مكتب قيادي ليخلص أنه في كامل اللياقة البدنية.
في لندن كاد مولانا الميرغني أن يقع مغشياً عليه حينما سمع أن إمام جامع أكد أن صحة مولانا ليست على مايرام وأن الأطباء ناشدوه بضرورة الابتعاد عن النشاط السياسي.. أغلب الظن أن مولانا فكر في قطع تذكرة ليعود لداره في أبوجلابية.. ولكن الصحة لم تكن تحتمل مثل هذه المخاطرة.. اكتفى مولانا بصورة تذكارية من لندن أرسلها إلى المحبين تجمعه بالخليفة بركات وبعض من أنجاله.
ظاهرة التشبث بالمناصب تمددت إلى ملاعبنا الرياضية.. الكابتن هيثم مصطفى وبعد أن اقترب من عمر النبوة يصر أن يلعب داخل المستطيل الأخضر.. رفض الكابتن هيثم مصطفى أي تسوية تحوله من لاعب إلى مدرب يجلس حول الملعب.. في مجال الفن ليس ابن البادية وحده الذي يرفض الاعتراف بالشيخوخة.. عدد من الشعراء مازالوا في غزلهم حتى بعد ان اشتعلت رؤوسهم شيباً.
في تقديري.. يستحق مولانا أحمد إبراهيم الطاهر إشادة خاصة رغم احتفاظه بمقعده في مجلس الولايات.. بإمكان الطاهر أن يثبت أن الابتعاد عن المناصب التنفيذية لا يعني ترك العمل العام الذي له ألف نافذة.. بل إن الترفع على الكراسي المحدودة يضيف احتراماً ومظهراً جديداً ويؤكد أن بَعضنَا يستطيع أن يهزم شح النفس.
بصراحة.. بعض من ساستنا يرفضون عرضاً بشغل المنصب العام مدى الحياة.. ليس من باب الزهد بل لأنهم يفكرون في التأثير على مجريات الأحداث حتى بعد أن يتوسدون الثرى.