طب وصحة

ماذا تعرفون عن بكتيريا السعادة؟

لم يكن مألوفاً سابقاً عند العلماء، الحديث حول دور الكائنات الدقيقة في الأمعاء في العبث بمزاج الإنسان، ولكنّ البحوث الحديثة في هذا المجال الجديد رفعت الغطاء عن هذه العلاقة العجيبة. وفي هذا المقال سنكتشف سويّاً آليّات تأثير البكتيريا على صحة الدماغ وعلاقتها بالعديد من الأمراض النفسيّة الشائعة.

بين الأمعاء والدماغ
بالنسبة للكثيرين تشير البكتيريا إلى مجموعة من الغزاة يجب القضاء عليهم خوفاً من العدوى والأمراض، ولكن الحقيقة المذهلة هي أن أكثر البكتيريا في الجسم لها وظائف مفيدة فعلى سبيل المثال تحمل القناة الهضمية وحدها أكثر من 100 تريليون من البكتيريا بأنواع لا تعد ولا تحصى، وكثير منها يلعب دوراً في تحطيم الغذاء وتقوية جهاز المناعة.

وتدخل البكتيريا إلى عالمنا في البداية من الحبل السرّي، أو من الجلد والبيئة المحيطة في حال كانت الولادة قيصرية. وبعدما يخرج المولود إلى العراء، تتدخل عوامل متعددة في تعرّضه للبكتيريا مثل النظام الغذائي، المضادات الحيوية، الوراثة والتوتر. وفي دراسات سابقة عرف العلماء أن الدماغ يمكن أن يؤثر في عمل القناة الهضمية ويتحكم بعمليّات الأيض، ولكنّ الجديد في هذا المجال أظهر أن جراثيم الأمعاء يمكن أن تشارك في زيادة مخاطر السمنة، عجز السلوك الاجتماعي، مرض باركنسون والقلق. وباختصار باتت الميكروبات تتدخل في مزاجنا سلباً أو إيجاباً.

كما ذكرت دراسة حديثة قام بها باحثون يابانيون على الجراثيم في أمعاء الفئران أن تلك التي عاشت في بيئة معقمة، كان لديها كميات أكبر من الهرمونات المرتبطة بالتوتر واختلافات في مستويات بروتين (BDNF) وهي مادة في الدماغ تؤثر على النمو واتصال بين الخلايا العصبية. وأظهرت هذه الفئران أيضاً سلوكاً أكثر قلقاً داخل المتاهة عندما لم يكن في قناتها الهضمية الجراثيم.

أدوار متعددة
من المثير للاهتمام أنّ جراثيم الأمعاء تبقى غير مستقرة حتى نصل حوالي ثلاث سنوات من العمر. ويقول العلماء إنّها الفترة نفسها التي يحتاجها الدماغ كي يتطوّر. لذلك قد يكون هناك رابط بين الأمراض التي تصيب كبار السن وبين مستويات بكتيريا الأمعاء التي تبدأ في الانخفاض بشكل طبيعي مع التقدم بالعمر حتى تصل إلى ما كانت عليه في مرحلة الطفولة.

وكما يحتمل أن يكون السبب وراء الصداع صدمة رأس أو الإصابة بالجفاف وهما آليّتان مختلفتان، تنتج بكتيريا الأمعاء جزيئات يمكن أن تتفاعل بشكل مباشر أو غير مباشر مع فروع العصب المبهم (vagus nerve) في القناة الهضمية ممّا يتسبّب بإرسال إشارات إلى الدماغ، التأثير على مسارات الإشارات الهرمونية، التفاعل مع الجهاز المناعي أو تحفيز الخلايا العصبية داخل بطانة الأمعاء. ما هو أكثر من ذلك، قبل بضعة أشهر، كشف الباحثون أن جراثيم الأمعاء يمكن أن تؤثر على عمل حاجز الدماغ.

بريبيوتك أم بروبيوتك
في سياق الحديث عن تأثير البكتيريا على السلوك يعتقد العلماء بوجود فوائد جمّة لمادتي البروبيوتيك (Probiotics) والبريبيوتك (Prebiotics) في تعزيز مزاج الإنسان. وتشكل الأولى المواد التي لا نستطيع هضمها، ولكنها تعزز البكتيريا «الجيدة» في القناة الهضمية. وتوجد بشكل طبيعي في بعض الأطعمة مثل الكربوهيدرات والحبوب.

بينما تشكل الثانية الميكروبات الحية التي تجلب فوائد صحيّة للجهاز الهضمي. وغالباً ما توجد في المشروبات السائلة، الزبادي أو أقراص مصنّعة. وتتحدّد الفوائد الصحية للبروبيوتيك بحسب السلالة المختلفة من البكتيريا. وتخضع هذه الأدوية إلى رقابة عالية فبحسب الاتحاد الأوروبي تحظر المنتجات التجارية التي تستخدم أنواعاً من السلالات التي لم تتم الموافقة عليها ويفرض على المصنّعين ذكر السلالات المرخصة على المنتج.

علاجات بالبكتيريا
بدأ العلماء أخيراً في استخدام عمليات زرع البكتيريا النافعة وذلك بعد استخلاصها من أشخاص ذوي المناعة الجيدة ومنحها لناقصي المناعة. مما ساهم في علاج أمراض يصعب علاجها بالعقاقير التقليدية مثل الإسهال الناتج عن المضادات الحيوية. وربطت الأبحاث بين فوائد البكتريا الصديقة وبين مزاجه وسعادته، فاعتبرت أن غياب بعض أنواع البكتريا النافعة يزيد من القلق والتوتر ونوبات الغضب خاصة في الأطفال.

ويقول العلماء إنّ السبب يرجع إلى ضعف وجود البكتريا التي تساهم في إنتاج «حمض التربتوفان» صاحب الدور الكبير، في عملية النوم، والمزاج والشهية، مشيراً إلى أن الدراسات أشارت أيضاً إلى أن التوتر بشكل عام، يقلل أعداد البكتريا النافعة داخل جسم الإنسان. لذلك ينصح الخبراء بممارسة الرياضة لتقليل التوتر والاكتئاب ورفع الكفاءة الذهنية.

أطعمة البروبيوتك
يساعد الحليب المدعم بالبروبيوتيك (المرخص به) والموجود بكثرة في تحسين الجهاز الهضمي وبالتالي المزاج، وتلعب بكتيريا لاكتوباسيلوس الموجودة في الجبنة دوراً مهماً في تحفيز عمل الجهاز المناعي. كما يعتبر اللبن من أكثر أنواع الأطعمة احتواءً على البروبيوتيك، يليه الشوكولا الداكن الفاخر الذي يحتوي على الخمائر البكتيريّة المفيدة. وأخيراً يحتوي الملفوف والكبيس أيضاً على مستويات عالية من هذه السلالات البكتيريّة المفيدة للجهاز الهضمي.

البيان