عبد الباقي الظافر

لم ينجح أحد..!!


قبل سنوات كان صديقنا الدكتور أبوعبيدة هجانا جراح العظام البارع في المشافي البريطانية يزور السودان بين الفنية والأخرى.. وهجانا هذا يعمل في مشفى لندني يعالج ملكة بريطانيا العظمى إن حدث لها طاريء.. زكاة نجاح الرجل كان يوزعها على فقراء بلادي مع كل إجازة .. يجري هنا عملية تغيير مفاصل أو يشارك في استعدال فقرة وربما يكتفي بنصيحة مريض بممارسة الرياضة، كل ذلك مسبوقاً بابتسامة..انقطع هذا الجراح من مساعدة فقراء السودان بسبب البيروقراطية الديوانية..لم يمنح هذا الطبيب سجلاً يجعله يمارس مهنة التطبيب في السودان وطلب منه أن يسلك طريقاً شائكاً لاعتماده في المجلس الطبي .
أمس الأول أعلنت نتيجة امتحان المعادلة الذي يجلس له خريجو كليات القانون.. مجلس تنظيم مهنة القانون الذي يرأسه وزير العدل أعلن عن سقوط أربعة آلاف قانوني ..لم ينجح في الامتحان سوى (٤٦٦) طالباً..البقية كتب عليهم الجلوس للملاحق أو إعادة الامتحان بالكامل ..الطلاب الذين جلسوا تخرجوا من جامعات سودانية معترف بها من الدولة ..بل بإمكان هؤلاء الطلاب أن يصبحوا بتلك الشهادات أساتذة في الجامعات.. اثنان من الجامعات لم ينجح من طلابها ولا طالب واحد.
قبل مناقشة هذا السقوط الجماعي ينبغي أن نذكر أن هذا الامتحان قصد به في البداية معادلة شهادات خريجي الجامعات الأخرى مع طلاب جامعة الخرطوم.. والدليل أن طلاب كلية القانون بجامعة الخرطوم كانوا مستثنين من المعادلة هذه.. جاء حين من الدهر وتم التفكير في إنشاء معهد متخصص يمنح دبلوم عالي لكل الطلاب الناجحين ومن ثم يتيسر لهم مزاولة مهنة القانون.. تجربة المهد استمرت عاماً واحداً ثم تم التراجع عنها.
حكاية السقوط الجماعي لا يعاني منها طلاب القانون وحدهم.. فقد اشتكى عدد من الأطباء أن مجلس التخصصات الطبية يتعنت ويشقق على الطلاب الباحثين عن التخصص.. بعض الطلاب وصل بهم سوء الظن أن أساتذتهم الكبار لا يريدون أن ينافسهم تلاميذهم في سوق الطب الذهبي.
حاولت أن أتقصى عن تجربة امتحان معادلة القانون في تجارب الدول الأقرب لبيئتنا..في مصر أخت بلادي حيث توجد تجربة قانونية راسخة لا يوجد امتحان معادلة ولا يحزنون.. حاملوا الشهادات الجامعية بما فيها الدبلوم يتم السماح لهم بممارسة المهنة بعد قضاء ثلاث سنوات من التدريب ..كانت فترة التدريب حتى العام الماضي حولين فقط وبعدها يرتدي المتدرب روب المحاماة ويخوض في الحلبة باعتباره محامٍ محترف ..ذات شرط التدريب لمدة عامين معمول به في الأردن والذي يستثنى أساتذة القانون في الجامعات من شرط التدريب ويتم قيدهم بشكل مباشر في سجل المحامين ..الحقيقة أن امتحان المعادلة ليس بدعة سودانية فكثير من دول العالم لها مايسمى (Bar exam) كمدخل لممارسة مهنة القانون.
في تقديري.. أن هنالك ملاحظتين حول امتحان المعادلة ..الأولى أن مجلس تنظيم المهنة يشرف عليه وزير العدل ..رغم أن اجتياز امتحان المعادلة يكون شرطاً أساسياً حتى في العمل في القضائية أو السوق الحر..لهذا من الأفضل البحث عن كيان مهني أو أكاديمي ليكون مسؤولاً عن هذا الامتحان أو غيره من البدائل ..الملاحظة الثانية تقدح مباشرة في أهلية الجامعات التي تخرج الآلاف من الطلاب ثم يكون مصيرهم هذا الفشل الذريع.. البحث عن جذور المشكلة هنا يكون أمراً ملحاً.
بصراحة.. النتيجة المخيبة للآمال في امتحان المعادلة يجب أن تكون موضع دراسة لأن السقوط الجماعي أصبح ظاهرة .