عبد الباقي الظافر

لماذا تدفع الحكومة ثمن البيرة..!!


أخبرني رجل أعمال سوداني أنه زار الإمارات العربية المتحدة الأسبوع الماضي ..من مكتبه بالخرطوم حجز تذكرة وغرفة في فندق وسأله «السيستم» إن كان يرغب في شرب الجعة حتى يتم إضافتها للحساب.. بعدها ركب عربته الفارهة ومضى يدفع التكاليف بحسبان الدولار يساوي فقط ستة جنيهات.. حينما قطع الشارع في وسط الخرطوم ليشتري بعض الدولارات وجد سعر الدولار الأخضر نحو أحد عشر جنيهاً.. ذلك يعني أن قطاع منعم ومرفه بإمكانه أن يجد دعماً يقترب من النصف فيما الحكومة تصرخ لأنها تدعم رغيف الفقراء.
قبل أيام طلب وزير المالية من البرلمان رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والقمح.. الشهر الماضي استضفت في برنامج الميدان الشرقي الدكتور حسن أحمد طه وزير الدولة بالمالية الأسبق وأكد بالدليل أن الدولة الآن لا تدعم الوقود.. دليل الحسن طه أن بعض الشركات الزراعية الأجنبية باتت تفضل شراء البترول من عرض البحر بدلاً من السوق السوداني.. بل أنا الفقير إلى الله اشتريت في أغسطس الماضي جالون البنزين في ولاية نيوجرسي الأمريكية بأقل من دولارين ونصف.. بحساب السوق الأسود نحو خمسة وعشرين جنيهاً.. وبدولار الحكومة «خاطف اللونين» لا يتجاوز الجالون الخمسة عشر جنيهاً.
في مجال الكهرباء التي تمثل عَصب الحياة همس في أذني مسؤول سابق أن كل تقديرات تكاليف الإنتاج لا تضع في الحسبان الإنتاج المائي.. نصف كهرباء البلاد تولد من سدود مائية .. من فرط الربح الوفير تمكن سد مروي من تسديد قيمته في نحو أربع سنوات.. في السعودية التي لا تملك سداً تباع الكهرباء بواقع خمس هللات للكيلو واط للقطاع السكني.. في مصر الكهرباء تباع للطبقة المتوسطة التي تستهلك أقل من ثلاثمئة كيلو واط بنحو عشرين قرشاً.. السد العالي لا يغطي من استهلاك مصر سوى عشرة بالمائة.. بهذه التقديرات تصبح أسعار الكهرباء في السودان منسجمة مع محيطها الإقليمي.
السلعة الوحيدة التي تدعم الآن ربما القمح.. كل ما تحتاجه بلدنا من قمح لا يتجاوز الأربعمائة مليون دولار في العام.. وذلك باعتبار أن الاستهلاك في حدود مليوني طن بواقع الطن مئتي دولار أو دون ذلك.. صادرنا من الصمغ العربي الذي عائداته حوالي مائة مليون دولار يغطي الدعم على سلعة القمح إن وجد.
في تقديري ترتكب الحكومة خطأً كبيراً وغير مبرر حينما تحاسب الشعب بأسعار السلع في السوق العالمي.. نحن ننتج الآن بترولاً يغطي جزءاً معتبراً من الاحتياجات.. تكاليف إنتاج هذا النفط منخفضة جداً.. الصحيح في هذه الحالة حساب التكلفة عبرالمتوسط بجمع تكلفة المستورد والمنتج المحلي ثم القسمة على اثنين.. إن حدث ذلك الحساب سنجد أننا ندعم هذه الحكومة.. وذات الأمر ينطبق على الكهرباء المنتجة من السدود والأخرى من المصادر الحرارية.. هذا منطق الحساب ولغة الأرقام.
بصراحة.. أشعر أحياناً أن حكومتنا تتعامل معنا باعتبارنا مجرد مستأجرين للأرض التي تملكها فتحاسبنا بالمنطق الذي تريد.. لهذا تطالب الفقراء بدفع قيمة رغيف الخبز استناداً على بورصة نيويورك.. أما أهل الحظوة الذين يسافرون بين طيات السحاب فتطعمهم وتسقيهم وترفه عنهم.