تحقيقات وتقارير

موسم الهجرة إلى البياض الشباب والكريمات.. علاقة في طور التخلُّق

dبدو أن تحولات الواقع المجتمعي جعلتنا نسلط الضوء على ظاهرة استخدام (الجنس الخشن) للكريمات وذلك بعد أن سلطنا الضوء على استخدام (الجنس الناعم) والذين لم يكونوا بالحسبان لكن الكثير من المظاهر هي التي قادتنا تجاه هذا المنحى والذي أكدته لنا العديد من النتائج.

عندما تم تكليفي بهذا التحقيق تساءلت في نفسي .. هل هذا التحقيق ذو جدوى وهل الأمر ظاهرة تستحق الوقوف؟ ؟ باعتبار أن استخدام الكريمات انتقل من الشابات إلى الشباب، وهل إفراط المرأة في استخدام مستحضرات التجميل جعلها تترك جانباً من مساحتها للرجل؟ وهل من حق الرجل أن يتمتع ببشرة ناعمة وجذابة لنفسه وليس للفت انتباه المرأة ؟؟.. ولأجيب على هذه الأسئلة واجهتني مشكلة عدم تجاوب الأولاد خصوصـاً الذين يستخدمون الكريمات .. فلم يكن لي بد من سؤال تجار مستحضرات التجميل، فاتجهت إلى سوق بحري، بدأت بأحد المحلات الذي أجابني صاحبه باقتضاب وتعالٍ قائلاً: أبداً ما في أي أولاد بجو يشتروا كريمات.. وما في سبب بخليهم يجوني ده محل بنات ولسان حاله يقول: (دي شنو البت الماعندها شغلة دي!!)، لم تخذلني إجابته المحبطة واتجهت بصورة آلية إلى المحل الذي يليه فأجابني .. نعم هناك الكثير من الشباب يأتون لشراء الكريمات، ولكن السؤال هل هذه الكريمات لاستعمالهم الشخصي أم لزوجاتهم وشقيقاتهم..قاطعته قائلة : من النادر أن تجد شاباً يشتري لشقيقته كريماً.. إما خطيبته أو زوجته ربما ؟!!! نعم لذلك لا نستطيع تحديد الطلب. وأضاف: ولكن في رأيي الشخصي أن الرجل الذي يستخدم كريمات يبدو من مظهره … إضافة إلى أن الرجال الذين يستخدمون الكريمات بصورة دائمة بالطبع سيكون لديهم أشخاص يشترون بالإنابة عنهم، أما ثالث متجر اقتحمني صاحبه بكل فظاظة وأجابني مسرعاً: (أبداً وماعندنا أي علاقة بالموضوع ده .. لا أولاد ولا أولاد .!!؟)، وفي المحل المقابل له أتاني صاحب المحل بالخبر اليقين مؤكداً أن 70% من الزبائن من هذا السوق من الجنس الخشن.. لكن من يعترف بذلك ..ثم أضاف قائلاً : بل وهم خبراء في معرفة أجود الماركات من كريمات التفتيح والترطيب والأكثر طلباً على شراء صابون التنعيم !!؟،أ ما (ك – و) صاحب صالون حلاقة فقال: هذا الأمر ليس بالظاهرة الحديثة ومن حق الرجل الاعتناء بنفسه من كل أنواع الكريمات والمرطبات باستثناء كريمات تفتيح البشرة التي يفضل عدم استخدامها حتى من النساء.. وعن زبائني في المحل، وبعد إجراء اللازم لهم يشعرون براحة نفسية وانتعاش ولكأنهم يعملون على تجديد بشرتهم وتخفيف شعر الحاجبين الكثيف، لذلك الأمر له تأثيرات نفسية قوية ليس لديها أي علاقة بمدلولات أخرى.

للفتيات نصيب

ثمة تساؤلات قد تدور في الأذهان تجاه الفتاة السودانية عقب التغير الاجتماعي لاسيما بعد أن قطعت الفتاة شوطاً طويلاً في استخدام الكريمات ونعومة الجسم..هل ستترك بعض مكانها للرجل باعتبار أن استخدام الكريم يعتبر أحد مكملات الاعتناء بالنفس ومن حق المرأة على الرجل أيضاً الاهتمام بنفسه لإرضائها إضافة إلى أن مساحة الرؤية والإدراك قد اتسعت بفعل الانفتاح المرئي في الآونة الأخيرة.. وهل يكمل هذا الأمر غرورها الأنثوي؟ أم ينقصه؟ وهل تعتبر الخشونة متلازمة القوة باعتبارها رمزية للحماية؟ وهل يكتمل الأمر بأن تتقبل الزواج من رجل يفرط في استخدام الكريمات للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها توجهنا صوب عدد من الجامعات وهناك التقينا بـ(تسنيم محمد) فقالت: أرى أن الموضوع غير مرتبط بالنوع بقدر ماهو مرتبط بالبيئة والتنشئة الاجتماعية التي قد ترى أن لا غضاضة في استخدام الشاب للكريم باعتباره أحد مكملات الاعتناء بالجسم، أما صديقتها ” وفاء” فقالت: أقبل الزواج من شاب يعمل كريمات ترطيب ودا عادي جداً ويرضيني إذا استخدم ماركات عالمية، بينما أكملت “توسل” حديثهن بأن ظروف الحياة وجو السودان قاسِ ومن الطبيعي أن يحتاج الجسم للكريم.. (ولكن كريم تفتيح دي صعبة شوية !!).

وبعيدأ عن هؤلاء الفتيات انتحيت جانباً بـ(ولاء) التي أفصحت لي بأنها ارتبطت بشاب يستخدم كريم تفتيح، ولكن لم أكتشف ذلك قبل العلاقة، وأضافت: هذا الشيء جعلني أبعد عنه تدريجياً وربما يعود هذا الأمر إلى البيئة التي نشأت فيها التي تعتبر (الرجل الذي يستخدم كريمات هذا الأمر منقصة بالنسبة له)، بينما أضافت لنا (وئام): أعتبر أن الرجل الذي يستخدم الكريمات لا فرق بيني وبينه خصوصاً في بلدنا دي، لأن المرأة السودانية أصبحت تفعل كل ما يقوم به الرجل من واجبات تجاه الحياة أي تقوم بدور الرجل والمرأة، بينما أكدت “م” أن بعض الفتيات يقمن علاقات مع شباب يبدو عليهم استخدام الكريم لكن ليس من أجل الارتباط الجاد وإنما من أجل التباهي به أمام صديقاتها لأنه أكيد (ناعم ووجيه)، ولكن في خاتمة مطافنا أجمعت الفتيات على أنهن لا يقبلن الزواج من شاب يستخدم كريمات.. إذن ما على الشباب سوى الجلسرين فقط.

أصحاب الشأن

سؤالنا للشباب واجهته بعض المشقة لا سيما أن الإجابات أغلبها كان سمتها النكران ورغم رؤيتنا لهم عياناً لأنهم من المستخدمين بإفراط، فالكل أنكر الاستخدام والبعض تعلل بحجة المرض الجلدي، والآخر أكد بأنه يستخدم كريم تنعيم فقط، وآخرون قالوا ان الانتظام في حمام البخار هو الذي أدى إلى هذه النتائج المبهرة.. ولكن بعد عدة تساؤلات وصلنا إلى نتيجة مفادها .. أن استخدام الكريمات يتدرج حسب الأجيال والبيئة وعلى سبيل المثال الشباب الذين في العقد الرابع أو الخامس من العمر ومن خلال إجوبتهم أن مجرد الحديث في هذا الأمر يعد منقصة ناهيك عن استخدامها والمجاهرة بها وقد أجابني (أ . ع) إعلامي: على ما أذكر ونحن صغار في المدارس كنت أرفض بشدة فكرة أن تمسحني أمي بي زيت السمسم بل أصرخ وأبكي رفضاً، بينما أكد (وليد) موظف ذات الفكرة قائلاً : وحتى وقت قريب إذا أضطرت إلى استنشاق رائحة أي سائل أو كريم أسأل أخواتي، هل هذا المسحوق أو السائل نسائي أم رجالي حتى لا أتورط وأصبح مثار تندر بين أصدقائي في مكان العمل، أما “عادل ” فأجابني ” : هناك الكثير من الشباب الذين يستخدمون الكريمات، وأفتكر أن الأمر لا يحتاج إلى تبرير لأنه شأن شخصي ونوع من العناية بالبشرة (ولزوم القشرة والحنكشة وكده) وقد قام بتأييده ” أحمد حسين – فني حاسوب) وقال: من حق كل فرد أن يهتم بمظهره والرجل يعتني بمظهره لنفسه ولنصفه الآخر وأرى أن لا غضاضة من استخدام بعض الكريمات التي تجعل الرجل بشكل جذاب وطلة براقة ترضي زوجتي، ولكن مع الأسف فقد قام المجتمع بتكريس فكرة الخشونة وعدم الاهتمام وربطها مع الرجل الذي هو إنسان دعاه الله سبحانه وتعالى إلى الاعتناء بنفسه، وأتساءل لماذا ارتبط الاعتناء بالنفس بالرجال الشواذ فقط؟ بينما المرأة تأتي بحجتها الوحيدة أن الرجل لا يعتني بمظهره من أجلي وهذا من حقوقي.

وللمشاهير نصيب الأسد

في العام الماضي تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صورا لبعض الفنانين المشاهير قبل استخدام الكريم وبعد استعماله والتغيير الواضح في لون البشرة وقد أثارت ردود أفعال واسعة وجعلنا نتساءل إلى أي مدى يمكن أن يؤثر قادة الرأي والشخصيات العامة في تغيير العقلية الشبابية فأجابنا (أ – ح) قائلاً: ومن خلال ملازمتي للفنانين وإعجابي بهم أجدهم يقتطعون وقتاً للاعتناء بأنفسهم والمنافسة في اختيار أجود الماركات التجارية في مواد تنعيم وتبييض البشرة، وذلك بدعوى أن السوق عاوز كده وهم يستهدفون شرائح معينة من الفتيات صغيرات السن.

رأي الدين

ولمزيد من التقصي آثرنا أن نأخذ برأي الدين، فأجابنا الشيخ محمد النور قائلاً: يختلف الأمر هنا لأن طبيعة الرجل تتناسب ومظاهر الخشونة والصلابة وليس التنعيم، أما إذا كان بغرض العلاج فلا تثريب في الأمر، ولكن إذا كان بغرض الزينة فيعتبر نوعاً من التشبه وهو محرم وأيضاً إذا كان بتغيير اللون .

نسبة محدودة

بينما نفى د. سنهوري اختصاصي التجميل قائلاً: لا توجد نسبة كبيرة من الشباب يستخدمون الكريمات النسائية عدا الشواذ.. ولكن كثيراً ما يأتي لاستشارتي بعض الشباب وذلك بغرض العلاج من حب الشباب وخلافه وهؤلاء في أعمار معينة والذي بالطبع يحدث فيه الكثير من التغيرات الهرمونية في الجسم فتظهر الحبوب والبثور مما يضطرهم إلى مقابلة الأطباء، أما من يستخدم كريمات التفتيح وهم فئة بسيطة فالأغلبية يستخدم كريمات التفتيح الموجودة بالأسواق وهي كريمات تجارية ذات آثار سالبة جداً ولا يمكن الاستغناء عنها بعد ذلك الشيء الذي يجعل بشرتهن مليئة بالمشاكل.

تحولات اجتماعية

من ناحيته طالب الخبير الاجتماعي محمد الطيب حسب الرسول بعدم النظر إلى الأمر بعين الريبة وقال: هذا الاستخدام حدث وفقاً للتحولات الاجتماعية التي ضربت المجتمع السوداني في الآونة الاخيرة، وهي بالطبع قد حدثت نتيجة لكثرة المشاهدات البصرية الذي أتى جراءً الانفتاح الإعلامي، إضافة إلى نجوم المجتمع من فنانين وممثلين باعتبارهم قدوة ومحط إعجاب بالنسبة للفتيات الشيء الذي يجعل الشباب يسرعون إلى تقليدهم، ثالثاً: إن قوة العضل والخشونة لم تعد مقياساً لإعجاب الفتيات فقد تغيرت المقاييس لاسيما أن دور الرجل في الأعمال الشاقة قد انحسر تدريجياً نسبة لدخول الآلات.

دوافع نفسية

بينما أعادت دوافع تلكم الحالات الباحثة النفسية الأستاذة “مرام فاروق الريح ” إلى الشخصية نفسها في مرحلة الطفولة لأن الطفل قد يكون داخل أسرة نسبة الفتيات فيها أكثر من الذكور أو قد يكون هو الولد الوحيد وسط أخواته البنات وعاش طفولته بكل تفاصيلها وسطهن، لذلك يجب على الوالدين أن يكونا حذرين جداً في تربيته على أساس أنه رجل المستقبل والسند لأخواته لأنه يختلف عنهن وتربيته على أسس دينية وأن يحكيا له عن قصص الصحابة التي تثبت الرجولة والخشونة فمثلاً تروى له قصص الأنبياء والصحابة لما فيها من مواقف رجولة وخشونة والاهتمام بتنمية مواهبه مثل السباحة وركوب الخيل، وبذلك يكون قد تشبع فكرياً وسلوكياً بكل هذه التفاصيل وينعكس هذا على سلوكياته المستقبلية، ولكن إذا حدث العكس وترك في وسط أخواته أو حتى قريباته دون مراقبة يلعب معهن ويتشبع بكل الأفكار الأنثوية سيكون من السهل عليه الانخراط تجاه أي سلوك أنثوي في المستقبل، وكذلك نجد أن الصداقات وخاصة في فترة المراهقة تكون لها أثر كبير في تكوين سلوكيات المراهق، فيجب أيضاً على الوالدين اختيار البيئة المناسبة التي يتواجد بها أبنهما ويجب أن يكون أصدقاؤه من نفس سنه لكي لا يحدث أي انحراف في سلوكه والانتباه لكل أصدقائه في تلك المرحلة بما لهم من أثر كبير على أبنهم، وقد تكون هناك أيضاً حالات جينية فنجد أن هنالك أطفالا يولودون ذكوراً ولكن لديهم هرمونات أنثوية عالية وهنا يحدث فقدانه للهوية وعلى الوالدين في تلك الحالة عرض ابنهم على طبيب متخصص لكي يأخذوا بيده إلى بر الأمان لذلك نجد أن المسؤولية تعتمد منذ النشأة على الوالدين، هذا من جانب، أما من ناحية أخرى فالمتغيرات جعلت الرجل يستخدم كريمات التجميل بغرض العناية بالبشرة والاهتمام بالنفس وهنا قد تعود الدوافع الى الأسرة أو الزوجة والتي تلعب دور الأم في اعتنائها بزوجها لتقديمه إلى المجتمع بشكل جيد.

الصيحة

‫2 تعليقات

  1. هذا يجسد ازمة الهوية التي يعاني منها السودانيون
    السوداني لا يريد ان يقتنع بانه ليس بابيض