تحقيقات وتقارير

جنوب دارفور …نهاية امبراطورية المخدرات

الشرطة تكسر الطوق وتبيد 5 آلاف فدان لزراعة البنقو

الردوم بجنوب دارفور .. الأرض تنتج الدمار والموت

1200 تلميذا تركوا المدارس واتجهوللعمل بمزارع البنقو

الفكي: فرغنا من الملف الأمني واتجهنا إلى ملف المخدرات

مدير شرطة الولاية: هناك ضعفاء نفوس من خارج الولاية يمولون المنتجين

طبيعة المنطقة والأوضاع الأمنية أسهمت في إنتاج المخدرات

الظروف الأمنية أفشلت المشاريع البديلة للبنقو

الردوم : عبد الرحمن إبراهيم

لمدة خمسة أشهر من كل عام تنعزل مناطق محلية الردوم بولاية جنوب دارفور تماماً ويصعب الوصول إليها بسبب وعورة الطرق وكثرة أوديتها وخيرانها ومما يفاقم الواقع أن المنطقة طينية وتصعب الحركة فيها خريفاً، وتبعاً لذلك ترتفع أسعار مستلزمات العيش والمواد التموينية إذ يصل سعر جوال السكر إلى 900 جنيه وقطعة الصابونة 10 جنيهات. وهذه الظروف جعلت المنطقة تصبح محل استهداف لجشع التجار الذين يخزنون المواد صيفاً لبيعها عند حلول الخريف في تلاعب واضح واستغلال للمواطنين سوء الحال وارتفاع الأسعار اضطر بعض الفقراء من سكان الردوم وخاصة الطلاب من الأسر الفقيرة للعمل في زراعة المخدرات للحصول على مصروفات تسهم في احتياجاتهم فمنهم من يعود لمواصلة دراسته ومنهم من يواصل العمل حتى تصبح له حرفة أساسية، وسبب ذلك الأمر هاجسًا للأسر وحكومة الولاية
فبعض المناطق المنتجة للبنقو بمحلية الردوم عصية الاقتحام لعشرات السنين منذ اندلاع الأزمة بدارفور مما شجع المتاجرين في زراعة المخدرات لاستغلال البسطاء من سكان تلك القرى واستخدامهم في زراعة مساحات كبيرة امتدت حتى الحدود مع دولة إفريقيا الوسطى بالرغم من الجهود
المبذولة للحد من زراعتها ومنع دخولها للمدن إلا أن السيطرة عليها كانت صعبة، فالظروف الاقتصادية الحرجة التي تمر بها البلاد والفقر والجهل بمناطق الإنتاج أسهمت في رواج زراعة البنقو فأصبح بمثابة المورد الأساسي الذي يدر الدخل لبعض المواطنين.

زراعة تحت حماية السلاح

تعتبر مناطق زراعة الحشيش مناطق شبه مقفولة لوعورة طرقها وكثرة الخيران فيها واشتهرت محلية الردوم بزراعة البنقو منذ زمن بعيد نسبة للظروف الطبيعية ولكنها تطورت بشكل أكبر إبان الأزمة التي مرت بدارفور وساعد انتشار السلاح بالإضافة إلى الحروب التي شهدتها دولة افريقيا الوسطى في تدفق بعض العصابات ووجدوا ضالتهم في زراعة كميات كبيرة من الحشيش تحت حماية السلاح، وما حال دون الوصول إليهم أن المنطقة مغلقة تماماً مما حدا بشرطة مكافحة المخدرات إلى تنظيم حملات سابقة لاقتحام مناطق الإنتاج وكسر الطوق الأمني بها بعد غياب 11 عاماً بسبب تدهور الوضع الأمني، ولكن قوات الشرطة ظلت ترابط في بوابات المدن للحد من دخولها.

5 آلاف فدان بنقو

ويشير مدير شرطة الولاية أحمد عثمان محمد خير الى قيامهم بتنظيم حملة تفتيشية هي الثالثة والكبرى لهذا العام مؤكدًا على أن قواتهم تنفذ سنوياً حملتين للحد من انتشار زراعة المخدرات، الأولى عند بداية الموسم، والثانية وقت الحصاد واصفاً النجاحات التي تحققها الحملات الماضية بالنسبية نظراً لعدم تمكنها من تحقيق نسبة عالية من المكافحة مؤكداً بأن الحملة الأخيرة التي قادها العقيد الدكتور محمد أحمد على عدد من مناطق زراعة الحشيش بمحلية الردوم تمكنت من وضع يدها على كميات كبيرة من المنتج علماً بأنه لا توجد وسائل حركة سوى العجلات والدراجات النارية والدواب ولا يمكن الوصول
إليها عبر السيارات مما يصعب مراقبتها والتحكم في مطاردة المهربين هناك وبعض المناطق يتعذر دخولها حتى مشياً نسبة لوعورة الطرق وكثرة الخيران والأودية. وبحسب قائد الحملة العقيد محمد أحمد أنهم تمكنوا من الطواف في مساحة (5) آلاف فدان فقط وقاموا بحرقها بالكامل بجانب سيطرتهم على بعض المناطق التي تعتبر مخازن كبرى لتخزين المنتج.
مشيراً الى حصولهم على معلومات تفيد بأن المساحات الزراعية تمددت الى داخل الحدود مع دولة افريقيا الوسطى استطاعت قوات المكافحة التوغل إلى أعمق مناطق الزراعة والتخزين وهي مناطق خور جنقى وانقرنجي وبانده، وتم إحضار عدد من المواتر والدراجات بجانب سروج الحمير وبعض قطع الأسلحة.

مواجهة بالسلاح الناري

وقال العقيد دكتور محمد أحمد الأمين قائد الحملة إن مناطق زراعة وتخزين المخدرات بمحلية الردوم خاضوا فيها معارك ضارية إلا أنهم واصلوا مسيرتهم بلا خسائر في الأرواح من طرفهم، مشيراً الى أن كميات البنقو المضبوطة تفوق حد الخيال وما تمكنوا من احضاره كنماذج لا يساوي شيئاً مما صودر وأحرق في أماكن التصنيع والتخزين، وقال إن مزارع الحشيش في حاجة للايدي العاملة وهي تتوافر في بسطاء تلك المناطق يعملون في هذه التجارة بسبب الفقر والجهل واستغلال الممولين لهم في أوقات الحاجة، وطالب حكومة الولاية باستحداث مشاريع بديلة لا سيما أن تلك الأراضي بكر وقابلة لكل أنواع الزراعة وبالمنطقة منجم للذهب ويتدفق الآلاف من المواطنين هنالك للعمل وخاصة منطقة دفاق والآن بها أكثر من ستة آلاف من المنجمين.

ضعاف نفوس

ومن جانبه قال مدير الشرطة أحمد عثمان أن هنالك ممولين وتجاراً من خارج الولاية يستغلون البسطاء والصعفاء من المواطنىن للعمل في الزراعة والتهريب وقال إن عملية محاربة هذه المشكلات
تستلزم تضافر الجهود الرسمية ولائياً واتحادياً لمحاربة
زراعة الحشيش وخلق وسائل انتاج بديلة للسكان بجانب فتح مكتب مزود بكل وسائل الحركة والاتصال ودعمه بالقوات للمساهمة في ضبط حركة النشاط الزراعي ومحاربته بالإضافة الى جهود المجتمع .

وكشف معتمد نيالا عثمان رمضان، هوية من يقومون بالزراعة والتمويل، وقال بأنهم من خارج المحلية يقومون بإغراء الفقراء والبسطاء بالمال للعمل معهم خصوصاً الطلاب الذين بلغت نسبة المتسربين عن مدارسهم 1200 تلميذ يتجهون للعمل بالمزارع لتوفير مصاريف، منهم من يعود للدراسة
ومنهم من تغريه المادة ويستمر في العمل.

كميات كبيرة

تمكن أفراد الحملة من ضبط أطنان من البذور وآخر (فلت) لم يصنع بعد وما يزال في مرحلة التصنيع بجانب عشرات الأطنان من المصنعة جاهزة للاستخدام، ولفت قائد الحملة أنهم دمروا مئات الأطنان من البنقو وحرق أكثر من خمسة آلاف فدان وأن ما جاءوا به عبارة عن نماذج وعينات للعرض فقط.
مشاريع بديلة

سعت حكومة جنوب دارفور من قبل للقضاء على مزارع البنقو بمناطق الردوم وإدخال مشاريع زراعية بديلة إلا أنها لم تفلح في ذلك بسبب الظروف الأمنية المحيطة بالمنطقة ويرى عدد من المراقبين أن تلك المزارع تحتاج إلى جهود أكبر لكونها أكبر من طاقة حكومة الولاية ولاسيما أن هذه المزارع تديرها عصابات كبيرة وتمتلك الأسلحة الثقيلة والخفيفة وأبدوا ثناءهم على الجهد المقدر الذي قامت به الإدارة العامة هذه المرة للوصول الى أدغال الغابات الكثيفة وحرق أكثر من خمسة آلاف فدان لزراعة المخدرات وأشاروا الى أن هنالك حدودا مفتوحة مع دولة إفريقيا الوسطى تتطلب التنسيق المحكم بين
الدوليتن لمراقبة مناطق الزراعة على الحدود.

والي جنوب درافور آدم الفكي لفت إلى أن منطقة
الردوم هي المنطقة الوحيدة التي تغذي السودان بأكثر من 60% من البنقو وقال إنهم في الفترة الماضية كانوا منشغلين بقضية الأمن والاستقرار. وقال إنهم فرغوا من ملف الأمن لذا سيتفرغون للقضاء على المخدرات باعتبارها من الآفات
التي تحاصر الولاية وقال الفكي إن القضية تحتاج الى توفير كافة الآليات الزراعية البديلة للمواطنين هناك مؤكداً أن من يعملون في هذه الزراعة مستغلون من قبل فئات تريد تدمير السودان وإنسانه، مشيرا الى إيلائهم ملف مكافحة زراعة المخدرات أولوية قصوى.
فيما قال معتمد المحلية عثمان رمضان مصطفى إن أهم المشاريع البديلة يوجد نهران كبيران بالمنطقة تتوفر فيهما المياه طوال العام وهنالك فرصة كبيرة للاستزراع السمكي وزراعة الأرز والموالح بمختلف الأنواع ولفت إلى أن مناطق الردوم تنتج كميات كبيرة من الخضر والفاكهة وزراعة
النحل لإنتاج العسل بكميات كبيرة وشكى من معاناة المحلية من قلة المدارس ونسبة السكان فيها تصل إلى (100,756) والفاقد التربوي يصل لأكثر من (1200) وهنالك مدرسة أساس مقابل مدرستين ثانونيتين في رئاسة المحلية مما يصعب على الطلاب السفر للدراسة من قراهم البعيدة وفي نفس الوقت الطلاب يحتاجون الى من يقوم بإسكانهم ويوفر لهم الغذاء وفي حال نزولهم مع أسرهم وتنقطع المصاريف يضطرون للذهاب الى غابات الزراعة للعمل فمنهم من يعود ومنهم من يظل هناك، ولفت إلى أن المحلية لأكثر من خمسة أشهر بعد هطول الأمطار تظل معزولة تماما وتشهد ارتفاعاً باهظهاً في أسعار السلع التموينية وهنالك من يستغل المواطنين في تلك الظروف فالمحلية تفتقر للكثير في مجال الخدمات الصحية ويوجد بها مركز صحي واحد مقابل (100,756) مواطنا وتكاد تنعدم فيها الأدوية في فصل الخريف بجانب أنها تحتاج إلى الطرق لإيصال منتجاتها الأخرى من الفواكه والخضر للأسواق الكبيرة.
يأس وإحباط

أشار عدد من المواطنين بالردوم أنهم أبرياء من زراعة المخدرات وأنها شوهت سمعت المنطقة وأن الذين يعملون فيها هم من خارج المحلية وأنهم سئموا الحديث عن المشاريع البديلة التي لم تبارح أدراج المكاتب. وفي ذات السياق قال الباحث وابن المنطقة آدم تاج الدين إبراهيم إنهم قاموا بإجراء أكثر من دراسة إلا أنها لم تجد حظها من التنفيذ ونوه الى تصميم دراسة بإنشاء مزارع بديلة بمنطقة سنقو لزراعة محصول (القوار) إلا أنهم فوجئوا بأن دخله محدود وفي نفس الوقت لم تكن هنالك جهة تدعم المشروع ولفت الى أن هنالك دراسة أعدتها وزارة الداخلية بالتنسيق مع وزارة الزراعة بجنوب دارفور إلا أنها ظلت حبيسة الأدراج لعشرات السنين مما أوصلهم لمرحلة اليأس وفقدان الثقة في الدولة لمحاربة هذه المخدرات التي أصبحوا يعانون منها. وهنالك من ينوي الاستمرار في زراعة المخدرات بتلك المنطقة لمصالح شخصية. وفى ذات السياق أشار المعلم تيراب دهب أنهم فقدوا الثقة تماماً في موضوع الدراسات وعدم إنفاذها مطالباً بضرورة العمل على إعادة الثقة من خلال توفير آليات زراعية للمواطنين الذين أوصلوهم عبر البرامج الإرشادية إلى قناعة لترك العمل فضلاً عن توفير أسواق لبيع محاصيلهم الزراعية الأخرى ولاسيما أن عدم الطرق أثر سلباً على أن يعرض المرازعون محاصيلهم من (ذرة وسمسم وفول وفواكه) ليوم كامل ولا يوجد من يشتريها فتتعرض للتلف وخاصة الخضروات واحياناً هذا شيجع البعض لعدم
الزراعة في المؤسم القادم ويفضل العمل في المخدرات.
انتقاد عمليات المطاردة
يرى عدد من المواطنين أن عمليات المطاردة هذه غير مجدية ولم تحقق أغراضها رغم أنهم يعيدون عملية تجفيف منابع زراعة المخدرات ولكن يجب على الحكومة أن تتبع الطرق السليمة وهي العمل الاجتماعي فضلاً عن حملات للدعوة والإرشاد بجانب توفير البدائل. وهنا يقول المعلم تيراب دهب: على الحكومة الاتحادية ضرورة تنفيذ الدراسات التي مرت عليها اكثر من عشرين عاماً حبيسة الأدراج وإشراك مواطني المنطقة في اي دراسة فنية قادمة وإعطائهم التفويض الكامل للعمل المشترك لتوعية المزارعين عبر البرامج الاجتماعية والإرشادية.

الصيحة

تعليق واحد