محمود الدنعو

فواتير باهظة للتنمية


ما يشهده إقيلم أوروميا الذي تقطنه اثنية الأرومو في إثيوبيا حالياً من احتجاجات عنيفة، يعيد إلى الأذهان مجدداً الجدل حول التنمية ومشروعاتها الضخمة في أفريقيا التي تتصادم مع حقوق أصحاب الارض التي تزمع الحكومات أو الشركات إقامة هذه المشاريع فوقها بغض النظر عن جدواها الاقتصادية والبيئية، فالتنمية لها ثمن ولها خطايا ترتد في أعراض من الاحتجاجات والاضطرابات الأمنية والسياسية ونموذج أوروميا الطازج أمامنا جاء في مواجهة الخطة التوسعية التي تنفذها حكومة أديس أبابا لبناء منطقة اقتصادية جديدة والتي صادرت بموجبها بيوتاً وأراضي في (30) قرية على الأقل، وألقت في سبيلها القبض على أكثر من (500) شخص في سابقة نادرة اججت نار الفتنة والصراع الاثني باعتبار أن المركز تابع لقومية التيغراي الحاكمة بينما إقيلم الأوروميا التابع لاثنية الأورومو الذين يشكلون (80%) من سكان البلاد البالغ عددهم (100) مليون نسمة يعانون من التهميش ويعيشون في أوضاع اقتصادية مزرية، بينما المشاريع الاقتصادية الكبرى التي تمولها الصين والدول الغربية تقام على أرضهم دون أن يجدوا التعويض أو حتى فرص العمل في هذه المشروعات التي يذهب ريعها إلى المركز وإلى خارج اللبلاد.
في الأخبار أعلن المؤتمر الفيدرالي لأورومو عن مصرع (87) من المتظاهرين منذ 19 نوفمبر الماضي، وحتى الآن، مع إصابة واعتقال المئات في أسوأ اضطرابات مدنية تشهدها إثيوبيا من حوالي عشر سنوات، وتتهم الحكومة المعارضة خصوصاً جبهة تحرير أورومو بتحريض المواطنين على الاحتاجاجات ولكن استخدامها للقوة المفرطة في تفريق المحتجين يفتح المجال واسعاً للمزيد من التصعيد في الأزمة التي ستكون تداعياتها وخيمة على واحدة من الاقتصاديات الأفريقية الناهضة وبوتائر متسارعة في العقد الأخير.
ويقول صندوق النقد الدولي إن إثيوبيا أسرع دول منطقة شبه الصحراء الأفريقية نمواً هذا العام، ومن المتوقع أن تحقق (10%) نمواً العام القادم حتى مع الجفاف الذي سيجتاح النصف الشرقي من البلاد وسيترك حوالي (10) ملايين شخص في حاجة إلى معونات غذائية، بالرغم من أنها من أفقر دول العالم من حيث دخل الفرد غير أنها اتجهت إلى التصنيع وحققت معدلات نمو اقتصادي مرتفعة منذ حوالي (10) سنوات وحتى الآن.
وجاءت احتجاجات حركة أورومو بسبب التهميش السياسي والتدهور الاقتصادي والاجتماعي والعزلة من النظام الحاكم رغم أن سكان أورومو يشكلون أكبر جماعة عرقية في قارة أفريقيا، حيث يصل عددهم إلى حوالي (33) مليون نسمة أو حوالي ثلث سكان إثيوبيا البالغ (99.5) مليون نسمة كما جاء في بيانات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن العالم.
إذن هي فواتير التنمية باهظة الثمن التي على حكومة أديس أبابا تسديدها فوراً دون اللجوء إلى المسكنات حتى لا ينهار نموذج الدولة الإنمائية الناشطة في إثوبيا.