حوارات ولقاءات

“تاج السر الميرغني” يخرج الإفادات الخطيرة حول الأزمة الاتحادية “الحسن الميرغني” حرَّف تفويض والده من صيغة إستشكافية إلى مشاركة هزيلة

لم أتصور أن يكون مستوى المعلومات الخطيرة والعميقة التي أطلقها مولانا “تاج السر الميرغني” القيادي الاتحادي في هذا الحوار الاستثنائي تتجاوز منطقة الفضاءات البعيدة، فقد كانت نوعية الإفادات مذهلة ومفتوحة وموغلة في الدقة من صاحب إلمام وعارف ببواطن الأمور، تكسوها الإشارات الصارمة والآراء الشجاعة.
لأول مرة يتحدث رجل ينتمي إلى البيت الميرغني الكريم عن التفاصيل الدقيقة المتعلقة بصحة مولانا “محمد عثمان الميرغني” الموجود بالعاصمة البريطانية، فضلاً عن كشف الملابسات الصحيحة حول خطوة مشاركة “الحسن” في الحكومة الحالية والتي كانت محجوبة عن الكثيرين.
اللقاء مع “تاج السر الميرغني” جرى بترتيب مع المحامي “العجبة محمود حسين” مقرر الهيئات بـ(الاتحادي الأصل)، حيث ساعدني في كبح (فرامل) مولانا “تاج السر” الكاسحة بشأن العديد من الإجابات.. ماذا قال الرجل عن مخرجات (أم دوم) وعن إمكانية حدوث المصالحة السياسية بين “الحسن” و”طه علي البشير”، ومن هم القيادات الأقرب إلى مولانا، وكيف يرى مصادر قوة “إبراهيم الميرغني”؟
{ ماذا تفعل في “ألمانيا”؟
_ أنا مقيم منذ ثلاث سنوات في منطقة “بيرن” شمال ألمانيا القريبة من مدينة “هامبورج” المشهورة، فقد وصلت إلى “ألمانيا” قادماً من “القاهرة” التي كنت موجوداً فيها أيام الرئيس المصري الأسبق الدكتور “محمود مرسي”، حيث وجدت بعض المضايقات.. والآن أحوالي على ما يرام وأولادي في الدراسة.
{ مزاجك القائم على المصادمة جعلك تنضم إلى تيار “أبو سبيب” الذي يتبنى الخط الراديكالي في (الاتحادي الأصل)؟
_ مجموعة “أبو سبيب” تسمى حركة العمل الجماهيري والقطاعات في الحزب، وهم لا يعرفون المهادنة وأنصاف الحلول، ويرفضون المشاركة في الحكومة انطلاقاً من قناعات راسخة، ويطالبون بقيام مؤسسة حزبية ديمقراطية معافاة وحراكهم جارف للوصول إلى الغايات التي تلبي رغبات القاعدة الاتحادية، لذلك وجدت نفسي أميل إلى هؤلاء الأشاوس، وأرى بأن الراديكالية توصيف لا ننكره وإشارات لا تغضبنا.
{ من على البعد.. كيف ترى مخرجات اجتماع (أم دوم) المحسوب عليكم سيما وأنك خاطبت اللقاء من “ألمانيا”؟
_ طبعاً هؤلاء هم أولادنا وينطلقون من أفكارنا، وأعتقد بأن الملامح العامة لمخرجات (أم دوم) كانت مقبولة ومشجعة ما عدا الخطوة التي تتحدث عن عزل مولانا “محمد عثمان الميرغني” عن رئاسة (الاتحادي الأصل).
{ إذن أنت لا توافق على الأصوات العالية التي عزلت مولانا عن قيادة (الاتحادي الأصل) في (أم دوم)؟
_ عزل مولانا “محمد عثمان الميرغني” فكرة مبنية على التسطيح والسذاجة السياسية، جاءت من بعض الشباب المتحمس الذين تعوذهم الحكمة والدراية، لقد أصدر الشيخ “أبو سبيب” الذي يمثل مرجعية (أم دوم) بياناً واضحاً شجب الخطوة بمعاونة الأستاذ “العجبة محمود حسين” مقرر حركة العمل الجماهيري، وأعتقد أنه حدث تنصل لصيغة العزل من الذين رسموا الفكرة عندما شعروا بأن العواصف الكثيفة قد هبت على صدورهم.
{ هنالك من يتحدث عن وجود طبخة مدسوسة من جانب بعض الشباب في (أم دوم)؟
_ أنا لا أملك الأدلة الدامغة على ذلك، لكنني أعلم بأن الاختراقات واردة في القاموس السياسي، وقد يجد البعض الفرصة لتمرير أجندته من ثنايا الضجيج والفوران والحماس الزائد.
{ مولانا “تاج السر”.. البعض يتحسر على وجود التباعد الواضح بين تيار (أم بدة) وجماعة (أم دوم) خاصة أن كليهما في (الاتحادي الأصل)؟
_ أولوياتنا في ميثاق حركة العمل الجماهيري ترتكز على قيام وحدة (الاتحادي الأصل)، بل نؤيد التلاحم والانصهار مع جميع مكونات وتيارات الحركة الاتحادية التي نتلاقى معها في المقاصد والإستراتيجية، وبذات القدر نعترف بوجود بعض الملاحظات والانتقادات من جانبنا على إخوتنا في (أم بدة)، لكن نرى بأن الصلح خير ويمكننا أن ننسجم معهم بكل سهولة ويسر.
{ ما هو شكل العلاقة بينك وبين مولانا “محمد عثمان الميرغني”؟
_ على المستوى الشخصي والاجتماعي العلاقة محروسة بصلة الدم، وفي الجانب السياسي الخلاف موجود!
{ – طيب – بحسب أواصر قرابة الدم.. ما هي معلوماتكم عن الحالة الصحية لمولانا في ظل الغموض والمعلومات المتضاربة؟
_ _ أجاب بعد صمت _ هنالك انعكاسات واضحة في تقدم السن على الحالة الصحية لمولانا “محمد عثمان الميرغني”، فضلاً عن تراكم الإرهاق الذي نتج عن مجهودات السنوات الطويلة للعمل السياسي، فالشاهد عندما عرض مولانا نفسه على كبار الاختصاصيين الانجليز قبل عامين ونيف، نصحوه بإتباع نظام صحي صارم يقوم على الراحة التامة والبعد عن التوترات واستعمال مقومات اللياقة العامة ولوازم فتح الشهية، وأستطيع القول عموماً بأن حالته الصحية لا تدعو للقلق الشديد.
{ بصورة أوضح.. هل يملك مولانا القدرة على الحركة الذاتية وإصدار القرارات الحزبية؟
_ يجب أن تعلم أن مولانا في فترة نقاهة مبرمجة من خلال وصية طبية مختصة، فالمطلوب منه أن لا يتعرض لضغوط السياسة العنيفة ولا يرهق نفسه كثيراً، لكنه يتحرك بمقدار محسوب وهو على إلمام بأشياء كثيرة، غير أنه لا يريد أن يتدخل الآن.
{ هل صحيح أن هنالك خلافات صامتة بين أبناء مولانا “محمد عثمان الميرغني” لا تظهر على السطح؟
_ أجاب باقتضاب: لا!!
{ في نظرك من هم الأقرب لمولانا من قيادات (الاتحادي الأصل)؟
_ الأستاذ “حاتم السر” والأستاذ “طه علي البشير” و”الخليفة ميرغني بركات” والشيخ “أبو سبيب” رغم التقاطعات في المواقف بين الاثنين، وأيضاً الأستاذ “علي نايل”.
{ كيف تتصور الحصيلة التي يمكن أن تعود بها قيادات (الأسكلا) عندما تذهب إلى مولانا في “لندن” خلال الأيام المقبلة؟
_ الله أعلم.
{ – مقاطعاً – قيادات (الأسكلا) يا أستاذ “تاج السر” وضعت خيارات كثيرة على ضوء تفاعل مولانا مع مخرجات (لقاء أم بدة)؟
_ _ يجيب بعد صمت _ أعتقد أن مولانا سيكون حريصاً على تبني معالجة فضفاضة تداعب أمنياتهم سيما وأنهم من أنصاره، وربما تلعب الحالة الظرفية في الحزب، علاوة على تعقيدات الساحة السودانية دوراً كبيراً في حدوث مفاجأة لا أستطيع قراءة ركائزها!
{ _ طيب _ هل صحيح أن هنالك (سيناريو) معد لإحداث مصالحة سياسية بين “الحسن الميرغني” والأستاذ “طه علي البشير” بإيعاز من زعامة (الاتحادي الأصل)؟
_ “الحسن الميرغني” لا يعرف ثقافة الاعتذار، فضلاً عن أنه قد يعاند انطلاقاً من الحالة الصحية لوالده، ومن الزاوية الأخرى في تصوري أن “طه علي البشير” غير منشغل بمصالحة “الحسن”، بل إن “طه” سوف يخسر كثيراً إذا وافق على (سيناريو) المصالحة.
{ هل تعتقد أن “الحسن” تحصل على تفويض واضح من والده للمشاركة في الحكومة الحالية؟
_ _ قال بعد تفكير _ الإجابة عن هذا السؤال الكبير تحتاج إلى شرح مفصل، فالشاهد أن مولانا “محمد عثمان الميرغني” منح “الحسن” تفويضاً محدوداً عبر شقيقه “محمد” للقيام بمناورة استكشافية بغرض تلمس استعدادات المؤتمر الوطني لقبول شروطه في المشاركة المتمثلة في الالتزام الفعلي بالصدق والنزاهة والتوافق الوطني، وهذه الشروط أطلقها مولانا للجمهور عبر الوسائط الإعلامية على النطاق الخارجي والمحلي، غير أن “الحسن” انقلب على التفويض القائم على الصيغة الاستكشافية والمناورة سالكاً طريقاً آخر أدى إلى قيام هذه المشاركة الحالية الهزيلة والمجافية لوزن (الاتحادي الأصل) وخطه الوطني وطموحات قواعده، بل لم يتعظ “الحسن” من ويلات مشاركة الحزب عام 2010 التي جعلت لجنة الانتخابات الحزبية تأخذ موقفاً رافضاً للدخول في أي انتخابات مقبلة.. إمعاناً في عشق المال والسلطة رسم “الحسن” خطوات دخوله في قطار الحكم على تكتم شديد، فكان من الطبيعي أن يذهب بمفرده إلى باحة المؤتمر الوطني ويقابل الرئيس “البشير” وينهي فصول المشاركة على جناح السرعة دون مشاورة مجموعته الصغيرة بعد أن خدع الكثيرين بمواقف سابقة مناهضة لنظام الإنقاذ!!
{ _ طيب _ إذا كان “الحسن” قد انقلب على تفويض والده.. لماذا لم تتخذ حياله الإجراءات الحاسمة جراء هذه الخطوة؟
_ في تقديري أن مولانا “محمد عثمان الميرغني” لا يتعامل بسلاح الانفعال واتخاذ القرارات المضادة السريعة في حال ظهور المواقف الحرجة، فالذي يعرف تركيبة مولانا لا يفوت عليه كيف يخرج الرجل من الأزمات العصيبة في الوقت المناسب.
{ ما هي مصادر قوة الأستاذ “إبراهيم الميرغني”.. وهل من الممكن أن يصبح أكبر مهدد للسيد “الحسن” خلال الفترة المقبلة؟
_ قوة “إبراهيم الميرغني” تكمن في الطاقة الشبابية والثقافة العالية وقدرته على الاقتحام في اللحظة المواتية.. أما عن إمكانية أن يصبح “إبراهيم” مهدداً لـ”الحسن” في مقبل الأيام، فالواضح أن “الحسن” هو الذي يهدد نفسه ولا يحتاج إلى معول من خصومه للانقضاض عليه!!
{ كيف يمكن فك طلاسم وجود العلاقة القوية بين السيد “محمد عثمان” والأستاذ “إبراهيم الميرغني”.. بينما هنالك علاقة ضدية بين “الحسن” نجل مولانا و”إبراهيم الميرغني”؟
_ هذه واحدة من الأشياء الدقيقة في منهج مولانا.. ولا أستطيع الإبحار أكثر من ذلك.
{ “الحسن” اعترف بالإهمال الذي وجده من المؤتمر الوطني وعدم منحه أي ملف سياسي.. فهل تتوقع قيامه بخطوة مغايرة تصم الآذان إذا تمادى الشريك الأكبر في هذه المواقف؟
_ من الناحية المنطقية سلم “الحسن” حزبه لبطارية المؤتمر الوطني، وحرق جميع مراكبه مع بني جلدته، ودلق حيالهم العبارات الجارحة والألفاظ الحارقة، بل إنني أعتقد بأن جماعة “طه علي البشير” لن تتعامل معه على الإطلاق.. فـ”الحسن” يستعصي عليه الرجوع من منهجه الذي ارتبط به، فالذي يقع في براثن المؤتمر الوطني لن يجد الدلو الذي يقوده إلى بر الأمان!!
{ _ سؤال أخير _ الكثيرون يقولون بأن مولانا “تاج السر الميرغني” شخصية سياسية تنظر إلى الأمور بمنظار الأسود أو الأبيض دون الاعتراف بالمنطقة الوسطى وأنصاف الحلول وإنك خصم مبين للاعتدال والمرونة؟
_ – أجاب بشيء من الغضب _ هل تريدني السكوت عن الغبائن والمأساة والكوارث والخيانة وبيع الخط الوطني للاتحاديين؟.. والله لن أفعل ذلك..
هنالك مبادئ ثابتة لا أتنازل عنها قيد أنملة مهما كانت الفاتورة الباهظة، ويجب أن تعرف بأن طريق الحق والنزاهة والأخلاق النبيلة يرتكز على الصراحة الشديدة والشفافية المطلقة، وأنا لا أجامل في القضايا الإستراتيجية حتى الذين تربطني بهم صلة الدم والقرابة.. ومن يعتقد بأنه يمكن أن يتم التنازل عن المبادئ والثوابت في ظروف استثنائية، فهذا منهج لا أوافق عليه، ومن يصف أسلوبي بالشطط والغلظة، فأنا لا أحفل بمثل هذه الآراء.

المجهر السياسي