بالفيديو: في خدمة الشعوب .. أنجح الحكومات في العالم لعام 2015
إلى الشمال من مدينة كومو الإيطالية، وعلى طريق بروجيدا السريع يمكننا الدخول إلى مساحة واسعة في غرب أوروبا (إلى الجنوب قليلًا) يقطنها ثمانية ملايين نسمة، مساحة ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، وليست عضوًا في حلف الناتو أيضًا، دولة صغيرة تعتبر بمقاييس المساحات والتعداد السكاني بقعة لا تكاد تذكر، لكن بنظرة مختلفة على مؤشراتها التنافسية العالمية سيختلف الأمر كثيرًا، إنها ضمن أفضل خمس دول في العالم من حيث الرعاية الصحية، ومن أفضل خمس دول في التعليم، وواحدة من أعلى خمس دول عالميًا من حيث متوسط دخل الفرد، متفوقة بذلك على الولايات المتحدة، وتقريبًا فإن أي أول خمس دول عالميًا في أغلب المجالات العامة ستجدها فيها، وبالطبع هي ضمن قائمة أسعد عشر دول على الأرض، هناك في سويسرا حيث يمكنك أن تجد كل شيء، إنه النظام عندما يكون في خدمة الجماهير.
في إحدى مقالات دكتور (سكوت سِمِرمان): بروفيسور علم النفس، والزميل الزائر السابق لجامعة نورث كارولينا، والشريك الحالي في شركة (إدارة الأداء) المتخصصة في تقديم الدعم الفني لفرق العمل في الشركات والإدارات المختلفة والحكومات وتسويق الألعاب الخاصة برفع الكفاءة، على مدونة الشركة الخاصة وضع تعريفًا بسيطًا لأي (حكومة)، بأنها نظام سلوكي قائم على خدمة الشعب، مقابل أن يدعمه هذا الشعب، ويمنحه الصلاحيات والتحكم اللازمين عن طريق انتخابه، هذا النظام لأنه سلوكي قائم على طبيعة البشر النفسية وتصرفاتهم فهو معرض للانحراف وفقر الأداء والفساد، وقد يبدو تعريف سكوت صحيحًا، لكن هناك عالم آخر يبدو فيه الفساد الحكومي استثناءً لا قاعدة راسخة!
هذا التقرير يلقى، بدون ترتيب، نظرة مقربة على أهم وأنجح حكومات بعض الدول لعام 2015 استنادًا إلى إنجازاتهم هذا العام ومقاييس التنافسية والازدهار التي تصدر من مؤسسات ومراكز عالمية مختلفة.
(1) صُنِع في سويسرا
في الخامس والعشرين من أبريل لعام 2013 وقف الاقتصادي المعروف (آر جيمس بريدنج) في إحدى قاعات كلية (وودرو ويلسون) للعلاقات العامة والدولية بجامعة (برنستون) بولاية نيوجيرسي الأمريكية ليتحدث لبعض طلبة الكلية في محاضرة عن كتابه (صُنْع سويسرا .. القصة غير المروية وراء النجاح السويسري) والذي سرد فيه النقاط الأساسية لقصة النجاح السويسرية كدولة ونقاط القوة الاقتصادية بعيدًا عن الشائع والمعروف عنها، أحد أهم ما قاله إن نظام التعليم السويسري متنوع وقوي للغاية لدرجة أن الذهاب إلى المدارس العامة الحكومية هو الاختيار الأساسي الأول، بينما اختيار مدرسة خاصة معناه الفشل على عكس الرائج من أفضلية المدارس الخاصة على الحكومية بمراحل في أغلب دول العالم المتقدم!
تتربع سويسرا سنويًا على قمة تقرير التنافسية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي وعام 2015 ليس استثناءً من القاعدة، إنه العام السابع على التوالي من الاحتكار السويسري والهيمنة على قمة التنافسية العالمية منذ عام 2009 بعد أن أزاحت الولايات المتحدة، وكما في بداية التقرير فإنها ضمن الخمسة الأوائل في أغلب المجالات العامة: محافظة على بيئة آمنة، متمثلة في أحد أدنى معدلات الجريمة على الكوكب، وهي الاقتصاد الأكثر تنافسية هذا العام، فضلًا عن امتلاكها للبيئة الأكثر دعمًا للابتكار عالميًا، وهي في المرتبة الأولى من حيث جودة وتقدم المؤسسات البحثية، والمرتبة الأولى من حيث انفاق الشركات على التطوير والبحث العلمي، والمرتبة الأولى أيضًا ممتلكة لبيئة الأعمال الأكثر تطورًا، باختصار فإن أي جملة بها (ابتكار / تنافسية / تطور / عالمية) ستكون سويسرا حاضرة في المقدمة دائمًا.
تمتلك سويسرا نظامًا ديموقراطيًا فريدًا من نوعه يعتبر هو الأقرب عالميًا لمصطلح (ديموقراطية الجماهير) أو بمعنى أدق فإنه يمثل هرمًا مقلوبًا، لفهم أكثر فإن أغلب دول العالم تعمل بنظام الهرم العادي الذي قاعدته الجماهير وقمته السلطة، بينما في سويسرا الجماهير هي قمة السلطة حيث يمكن للسويسريين إيقاف أي قانون وإلغائه عن طريق الاعتراض عليه، للدقة فإن جمع خمسين ألف توقيع كفيل بإيقاف أي قانون تمامًا ومسحه تمهيدًا لإعادة صياغته أو الإتيان بقانون جديد، كذلك فإن أي تغيير في الدستور بأي شكل يكون المجلس الاتحادي السويسري والبرلمان ملزمين بإجراء استفتاء شعبي عليه، والتقسيم الحادث للسلطة دقيق وعلى ثلاثة مستويات (بلدية / مقاطعة / دولة) ويسمح بانفراد كل مستوى بإدارة شئونه المحلية، وترك الشئون الدولية للمجلس الاتحادي ولذلك فإن المواطن هناك يمتلك قوة تفوق قوة الحكومة الاتحادية نفسها.
هذا العام، لم يكن تواجد سويسرا في تقرير التنافسية فقط، وإنما على مقياس الازدهار الخاص الشهير الذي يطلقه سنويًا مركز (ليجاتوم) للأبحاث والسياسات، يركز تقرير الازدهار على ثمانية مؤشرات رئيسة هي: (الاقتصاد، ريادة الأعمال، الأداء الحكومي، التعليم، الصحة، الأمن، الحريات، والتماسك المجتمعي)، في تقريرها لـ 2015 وضعت ليجاتوم سويسرا في المركز الأول عالميًا على مؤشر الأداء الحكومي لتكون الحكومة السويسرية هي الأنجح لهذا العام، أما مؤشر الاقتصاد فاحتلت جنيف المرتبة الثانية والثالثة على مؤشري ريادة الأعمال والصحة، وبشكل عام فإن سويسرا على مقياس ليجاتوم هي ثاني أكثر الدول ازدهارًا في العالم بعد النرويج.
في تقرير 2015 لمنظمة برتلسمان: وهي المنظمة غير الربحية الأكبر في ألمانيا كانت الأمور واضحة لدرجة مدهشة، وضح التقرير ما حدث من ضغط الولايات المتحدة والحشد الدولي الذي قادته لإنهاء السرية المصرفية (أهم ما يميز النظام البنكي السويسري)، فضلًا عن التوتر الحادث بينها وبين الاتحاد الأوروبي، والذي سيثير حفيظة بعض الشركات، لكنه أشاد في نفس الوقت بمدى الاستقرار والتطور الذي تشهده سويسرا، بحسب التقرير: إنها تواجه تحديات مختلفة، لكنها اكتسبت مكانها على القمة لفترة طويلة.
(2) سنغافورة .. الميرليون الذي لا يهدأ
على جادة (باي فرونت) تنتصب ثلاثة أبراج شاهقة يعلوها أعلى مسبح في العالم؛ كدليل حي على تواجد المنتجع الأكثر تكلفة عالميًا، والذي يقصده سنويًا ملايين الأشخاص من مختلف أنحاء الأرض، أمام المنتجع الذي تكلف ثمانية مليارات دولار، وعبر الخليج يقف تمثال يجسد المخلوق الأسطوري (الميرليون) أو أسد البحر، رأس أسد وجسد سمكة، غير مألوف بالتأكيد، لكنه على الأقل رمز السياحة القومي الذي يعرفه الـ 17 مليون سائح الذين زاروا سنغافورة هذا العام، الدولة التي تبلغ مساحتها 719 كيلومترًا مربعًا، أقل من نصف مساحة أي مدينة عربية متوسطة تقريبًا.
في التاسع من أغسطس لعامنا الحالي سطعت الألعاب النارية فوق سماء المنطقة المالية في مدينة الميرليون، وبينما وقف المواطنون في الأسفل يلوحون بأوشحة تحمل اسم الدولة الصغيرة كانت طائرات الجيش السنغافوري ال F16 ترسم الرقم (50) في السماء، إنه العيد القومي الذي تحتفل فيه سنغافورة بيوم استقلالها عن ماليزيا، والذي كان جزءً من عملية تحولها من مستعمرة بريطانية محتلة إلى دولة نامية ستتحول في غضون عقود قليلة إلى إحدى أكثر دول العالم نموًا ورفاهية، أكملت سنغافورة اليوبيل الذهبي، وخمسين عامًا من الاستقلال، وبعد بداية حزينة للعام؛ عندما توفى السنغافوري الأسطوري ومؤسس نهضتها الحديثة (لي كوان يو) في مارس بدت الاحتفالات وكأنها تكريم غير مباشر له وتقدير لما حول سنغافورة إليه في ثلاثين عامًا فقط.
في 2015 أتت سنغافورة في المركز الثاني عالميًا بعد سويسرا على قمة تقرير التنافسية للمنتدى الاقتصادي العالمي ومسجلة فارق نقطي شديد الضآلة عن جنيف، وهو العام الخامس على التوالي من احتكار المركز أيضًا، ولذلك فإن سنغافورة وسويسرا هما السبب الرئيس في بقاء الولايات المتحدة منذ 2009 كثالث أكثر الاقتصاديات تنافسية عالميًا وراءهما، وظلت سنغافورة في قائمة الدول العشر الأفضل عالميًا على تسعة مقاييس تنافسية من اثني عشر مقياسًا، ومحتلة للمركز الأول كأفضل سوق عالمي للتبادل التجاري، ولأن أرقام النمو الاقتصادي السنغافوري تتحدث عن نفسها فإنه هذا العام احتل المرتبة الأولى على مؤشر تقرير الازدهار لمركز ليجاتوم، هذا العام أيضًا شهد تقدمًا مثيرًا للتأمل على مقياس التعليم العالي ونظم التدريب، حيث تمتلك سنغافورة الآن نظام التعليم العالي والتدريب الأفضل عالميًا، وهي المرتبة التي كانت تحتلها فنلندا في 2014، أما على مقياسي الرعاية الصحية والتعليم الأساسي فهي في المرتبة الثانية عالميًا، وتقدمت على مقياس التطور التكنولوجي من المرتبة السابعة إلى الخامسة، بينما حافظت على استقرارها في المرتبة التاسعة على مقياس الابتكار.
بدأ العام بشكل مثالي؛ حيث فعلت سنغافورة اتفاقية التجارة الحرة مع الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي، والتي تم توقيعها في 2009، وتكمن أهمية التفعيل الحالي في كون الإمارات هي أحد أكبر شركاء الأعمال لسنغافورة بحجم تبادل تجاري سنوي يبلغ 30 مليار دولار تقريبًا، ثم اشتراكها في تأسيس البنك الأسيوي لاستثمارات البنية التحتية في يونيو لتكون ضمن 57 دولة آسيوية وأوروبية هم الأعضاء المؤسسون لما يتوقع أنه البنك الدولي القادم الذي سوف ينافس البنك الحالي الخاضع بشكل أساسي للولايات المتحدة، ونجحت في سبتمبر في إقامة الانتخابات التشريعية المبكرة وتشكيل البرلمان الجديد بدون أزمات سياسية تذكر، وعلى الرغم من وجود حالة استياء منتشرة بعض الشيء بين السنغافوريين؛ بسبب ارتفاع الأسعار، فضلا عن بعض الانتقادات الموجهة إلى هيمنة حزب العمل الشعبي الحاكم السياسية. مع ذلك فإن سنغافورة مازالت تتمتع ببيئة تعتبر من الأكثر استقرارًا ومؤشرات تنافسية عالمية مكانها المقدمة دائمًا.
في أغسطس الماضي تساءلت ال CNN في تقريرها عن مدينة الميرليون في يوبيل الاستقلال الذهبي إن كان التطور السنغافوري وقصة النجاح سيستمران أم لا لخمسين عامًا قادمة أخرى، سؤال لا يمكن لأحد أن يجيب عليه، بينما يمكن الإجابة بالنسبة للسنوات القليلة القادمة، هذا نجاح حكومي صنع ليبقى.
(3) وقمة الأوليمب الإسكندنافية
في السابع والعشرين من مايو لعامنا الحالي أصدرت الحكومة الفنلندية تقريرًا على موقعها الرسمي بعنوان (فنلندا، أرض الحلول) يحمل في طياته الخطة الاستراتيجية لها والخطوط العريضة للتنفيذ مع رؤية الحكومة للدولة في عام 2025، وبالرغم من الاسم المحفز فإن بداية التقرير ـ بشكل ما ـ به من الكلمات الصريحة والواقعية، بما يوحي للقارئ العادي أن فنلندا دولة فاشلة غارقة في المآسي والتعثرات والديون، لفهم أكثر، فإن ما يلي نص هو على لسان الحكومة نفسها: (على الرغم من نقاط القوة العديدة فإن فنلندا في دوامة من الهبوط، معدل البطالة مرتفع، النمو الاقتصادي متضائل، ونحن متأخرون بـ 10 إلى 15 نقطة عن الدول ذات الاقتصاديات التنافسية، والصادرات متعثرة، وفقدنا بعض القدرة على الابتكار وتسويق الابتكار إن وجد، وبسبب التنظيم والإدارة مفرطة الدقة فقدنا خفة الأداء والقدرة على التنافسية!، الآن حاول أن تخبر أحدًا أن فنلندا دولة ناجحة، من سيصدقك؟
يعمل العالم المتقدم بشكل مختلف عن المألوف في منطقة الشرق الأوسط أو الدول النامية عمومًا؛ حيث يمتلكون معايير شديدة الارتفاع يقيسون عليها مستويي النجاح والفشل وما بينهما، لذلك ما يبدو لنا نجاحًا خارقًا للعادة يبدو لهم أمرًا عاديًا لا يستحق الاحتفال، وعلى كل مستويات الرفاهة الممكنة فإن أعلى مستوى معيشي في العالم هو لمواطني الدول الإسكندنافية التي تضم (النرويج & الدانمارك & السويد) وتأتي فنلندا ضمن المجموعة الخماسية المسماة بـ (دول الشمال)، والتي تضم الدول الإسكندنافية بجانبها وأيضًا أيسلندا، هذا العام كان الثلاثي الإسكندنافي ومعهم فنلندا في المقدمة.
تأتي النرويج على قمة العالم لـ 2015 من حيث بيئة الأداء الاقتصادي الكلي، وهي إحدى أفضل عشر دول، امتلاكًا لنظام تعليم جامعي وتدريب في تقرير التنافسية، ولم يختلف الحال كثيرًا بالنسبة لها في تقرير الأمم المتحدة السنوي للإنماء البشري؛ حيث أتت في المرتبة الأولى عالميًا من حيث جودة الحياة وتوافر المعايير المعيشية العالية: من رعاية صحية، وتعليم، ومتوسط عُمر هو الأعلى للعام الثاني عشر على التوالي، ولأن الإجماع العالمي بغير اتفاق لابد أن يكتمل، فقد حصلت النرويج أيضًا على المرتبة الأولى عالميًا على مقياس الازدهار الخاص بـ (ليجاتوم) مسجلة مراكز تتراوح ما بين الثاني للخامس في ستة مقاييس من ثمانية لتكون الدولة الأكثر جودة معيشية على الأرض.
الدانمارك كذلك حافظت على مراكزها المتقدمة، وأتت ثالثة بعد النرويج وسويسرا على مقياس ليجاتوم العام، وتعتبر الآن الدولة الأولى عالميًا في الحرية الفردية مع تطويرها لنظام رعاية صحية مميز، لكن لديها نقطة ضعف واضحة في التعليم العالي، وأيضًا السويد التي أتت في مراكز تقريبية ما بين العاشر والعشرين في جميع المجالات تقريبًا، أما فنلندا، التي تعاني من دوامة هبوط على حد قول حكومتها، فإنها الرقم 1 عالميًا في الرعاية الصحية والتعليم الأساسي، والرقم 1 في جودة مؤسساتها الحكومية، والرقم 2 بين الدول من حيث كفاءة نظام التعليم الجامعي والتدريب، بعد أن كانت صاحبة المركز الأول العام السابق، إلى أن انتزعته سنغافورة.
بالطبع فإن المجموعة الإسكندنافية ليست جنة الله في الأرض بالرغم من شغف العالم بها لاعتلائها قمم مقاييس الاقتصاد والتعليم والرفاهية العالمية منذ فترة طويلة، فهم يواجهون مثلًا الآن معدلات بطالة آخذة في الارتفاع مع ارتفاع الدين القومي، والذي وصل إلى 200% لدى النرويج نفسها مثلًا، فضلًا عن ارتفاع مستوى أعمار شعوب الشمال مقابل قلة الانجاب، مما يؤثر على كفاءة سوق العمل والتوازن الطبيعي للكتل السكانية، إنهم يواجهون مشاكل أيضًا، لكنهم في النهاية نجحوا في اقناع الجميع أنهم جزء منفصل عن العالم كما نعرفه.
(4) وجناحا الصقر العربي
في بداية العقد الألفيني لم يكن هناك أي تواجد عربي يذكر على أي مستوى، إلا في مجال الطاقة، باعتبار أن المنطقة العربية هي أكبر منتج ومصدر عالمي للنفط؛ باحتوائها على دول التعاون الخليجي، كانت الـ 22 دولة، بالكامل، خارج نطاق أي منافسة بالمعنى السلبي، والصورة النمطية حاضرة بقوة، الرمال والجِمال والملوك والثراء الفاحش من جهة، والشمال الأفريقي ذو الديكتاتوريات المترسخة والحكام التي لا ترحل، حسنًا، ربما مازال الشمال الأفريقي كما هو، لكن شبه الجزيرة من ناحية أخرى تغيرت كثيرًا، لقد بدأ عملاقان عالميان في الظهور.
حمل 2015 مفاجأة للجميع، لقد تربعت (قطر) على قمة الأداء الحكومي العالمي في تقرير التنافسية الخاص بالمنتدى الاقتصادي، تطور دفع بعض الخبراء إلى التشكيك في طريقة التعامل مع البيانات نفسها، وصولًا إلى إعطاء قطر الريادة العالمية، وكانت دوافعهم تتمثل في سوء معاملة العمال من الجنسيات الأخرى، فضلًا عن التدهور الكبير في حقوق المرأة في الإمارة الصغيرة، وربما كانت الأسباب صحيحة، لكن يمكن الرد بسهولة بأنها لا علاقة لها بالأداء الحكومي الإجمالي، وهو ما قالته بالفعل (مارجريتا هانوز) رئيسة قسم التنافسية والمخاطر بالمنتدى، والتي أضافت أن قطر استحقت المركز، وأن نقاطها المسجلة على أغلب المقاييس التنافسية جيدة بما يكفي.
لا تحتوي الإمارة الصغيرة الصاعدة بقوة على أماكن أثرية، ولا تعتبر وجهة سياحية بارزة، لكنها بالتأكيد أحد أفضل أسواق العمل، والشركات الناشئة الآن ممتلكة لأحد أهم رؤوس نجاحها (القطرية) شركة الطيران الأفضل عالميًا في 2015، والأداء الاقتصادي القطري الحالي (مقياس الاقتصاد الكلي) يحتل المرتبة الثانية عالميًا، بينما تأتي في المرتبة الخامسة على مقياس (متطلبات سوق العمل)، والمرتبة الرابعة من حيث جودة المؤسسات، وفي أغلب المؤشرات الأخرى فإن الدوحة تحتل مراكزًا متقدمة الكثير منها في أول عشرين دولة في العالم، أما المؤشر العام لتقرير التنافسية فقطر هي القائدة عربيًا في المرتبة الـ 14 على مستوى العالم.
لا يختلف الحال في الجارة (الإمارات) كثيرًا؛ والتي تأتي في المركز الثاني عربيًا، والسابع عشر عالميًا حيث تمتلك مؤشرات تنافسية ورفاهة عالمية أيضًا، الإمارات هذا العام هي الثانية عالميًا في ترشيد الإنفاق الحكومي وتوافر متطلبات الشركات والمستثمرين في سوق العمل، والرقم 1 في انخفاض المخاطر ومعدلات الجريمة المؤثرة على بيئة الأعمال والاستثمار، وتمتلك الإمارات أحد أفضل البنى التحتية العالمية، وتحتل المركز الأول من حيث جودة الطرق كدليل على جودة الأداء الحكومي، وتعتبر دبي الآن أحد أهم خمسة مقاصد عالمية محتلة نصيب الأسد من إجمالي زائري الإمارات السنويين الذين يتخطى عددهم العشرة ملايين زائر.
في النهاية فإن قائمة أنجح حكومات العام ليست مقتصرة على هؤلاء فقط، وإنما تضم أيضًا عددًا من الدول الصناعية في مقدمتها ألمانيا وأستراليا وهولندا وكندا واليابان والولايات المتحدة بالطبع وغيرهم، لكن الاختيار هنا اعتمد على أهم حكومات الدول التي لا تمتلك مواردًا طبيعية كبيرة وصنعت نجاحًا من موارد ومصادر قليلة جدًا، وراء كل منهم قصة نجاح تثبت نفسها عالميًا يومًا بعد يوم.
اضغط هنا لمشاهدة الفيديو على قناة النيلين
هافنغتون بوست