حوارات ولقاءات

مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود : الحوار الوطني هو اكبر مشروع سياسي .. و مشكلة السودان الأساسية في عدم إتفاق الشعب السوداني منذ الاستقلال على المصالح الاستراتيجية في الدولة

تترقب الساحة السياسية في السودان مآلات الحراك الكبير الذي تشهده البلاد سواء على مستوى مجريات الحوار الوطني وتطوراته المختلفة وما يفضي إليه من مخرجات تتعلق بنظام الحكم وغيره، أو على مستوى مسار التفاوض مع الحركات المسلحة بالنسبة للمنطقتين أو دارفور وإلتحاقهم بالحوار، إلى جانب الاستفتاء الإداري لدارفور والأحداث الأمنية الأخيرة في غرب دارفور.. كل هذه القضايا وغيرها كانت أسئلة وكالة السودان للأنباء التي جلست مع المهندس إبراهيم محمود حامد مساعد رئيس الجمهورية ورئيس وفد الحكومة المفاوض ونائب الرئيس لشؤون حزب المؤتمر الوطني في مكتبه بالقصر، فكان صريحاً كعادته.. فإلى مضابط الحوار:

> دخل الحوار الوطني شهره الثالث.. ما تقييمكم لما تم في اللجان حتى الآن؟
< الحوار الوطني الآن هو اكبر مشروع سياسي في السودان، واهم انجاز بعد الاستقلال، وكان يجب علينا أن ننتج هذا الحوار ونتفق على مصالح الدولة السودانية الاستراتيجية مباشرة بعد الاستقلال، لكننا تأخرنا، والآن اتفق أهل السودان على الجلوس سوياً لتحديد المصالح الاستراتيجية للدولة، وليس لحزب او لحكومة وهو المدخل الصحيح. وفي هذا الإطار استطيع القول إن اللجان الست والحوار المجتمعي الكثيف الذي انتظم قطاعات واسعة من المجتمع «الشباب والطلاب والمثقفين، المعلمين والمرأة ومراكز البحوث والمجتمع المدني، الاقتصاديين، والولايات والمواطنين بمختلف كياناتهم» وبمختلف المستويات، هو حوار جاد وشفاف، وسوف يقود السودان إلى اتفاق أهله على القضايا الاستراتيجية للدولة للمضي للأمام، ليتنافس الجميع لتحقيق المصالح التي يتم الاتفاق عليها، وسيكون السباق من أجل السودان وتكون الجهود لبناء السودان، فيما تكون الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني روافد لتحقيق المصالح الاستراتيجية للسودان.> تمديد أجل الحوار، هل لدواعي انتظار قوى مؤثرة للانضمام أم هنالك دواعٍ أخرى؟
< القوة المؤثرة موجودة في الحوار، والتمديد تم لدواعٍ منطقية، وكنا نعلم ذلك عندما بدأنا في تنوير السفراء الأجانب، فكانت الملاحظة المهمة من سفير دولة جنوب إفريقيا الذي قال: «جميل أنكم بدأتم بترتيب محكم لحوار وطني، ولكني أقول لكم إننا قضينا ست سنوات في جنوب إفريقيا في انجاز الحوار»، وهم كانوا مشفقين على كيفية انجاز حوار وطني في ثلاثة أشهر، فكان التمديد لدواعي أن بعض اللجان لم تنجز أعمالها، إلى جانب إتاحة الفرصة لمجموعة من الحركات منها مجموعة أبو القاسم إمام ومجموعة منصور أرباب وآخرون، لإتاحة الفرصة لهم لإبداء آرائهم في المحاور المختلفة.وهنالك حوارات جرت، وتغيرت لغة الحديث عن الحوار، من وصفه بحوار الوثبة وحوار القاعة وحوار الحكومة، حيث بدأت بعض القوى السياسية تتحدث عن أن هذه مرحلة نود أن نمضي منها إلى مرحلة أخرى، وعلى رأس هؤلاء المهدي والحركة الشعبية وغيرهم الذين يقولون إننا نعترف بالذي يجري ودعونا نشترك، ونحن نتوقع أن نلتقي بهم في اجتماع تحضيري للانضمام للحوار، والزمن يحدد بعد أن نلتقي بهم، فهذه هي الدواعي المنطقية لتمديد للحوار.> على ذكر السيد الإمام الصادق المهدي.. هناك تسريبات عن عودة وشيكة له للمشاركة في الحوار.. هل تتوقعون مشاركته؟
< أي حزب أو فصيل سوداني الفرصة متاحة أمامه ليكون جزءاً من المشروع الوطني، وهو أهم مشروع بعد استقلال السودان، ولا يوجد أي منطق لأي حزب بأن يعزل نفسه عن هذا الحوار الجامع الذي يمضي الآن في السودان، سواء كان على مستوى القوى السياسية أو الحوار المجتمعي.> هناك قوى سياسية داخل لجان الحوار الوطني تتهم المؤتمر الوطني بممارسة حق «الفيتو» أو الهيمنة.. فهل هناك أية جهة لها تأثير على مجريات الحوار، خاصة ان صوت المؤتمر الشعبي يعلو بذات القدر؟
< لا اعتقد أن هناك قوى داخل الحوار تتهم المؤتمر الوطني، لأنهم يعلمون أن كل حزب داخل الحوار ممثل بشخص واحد داخل اللجنة، والآراء تطرح بحرية تامة والقرارات تتخذ بالتوافق أو بـ 90%، ولكل حزب صوت واحد مهما كان حجمه، والفرص متكافئة، فكل الذين جاءوا من خارج السودان والسفراء قالوا إن هذا الحوار حوار جاد، والذي يقول هذا الكلام هو خارج قاعات الحوار.> حزب المؤتمر الوطني يرفض قيام حكومة انتقالية.. هذا ما برز بقوة خلال الحوار وقبله، ماذا لو أقر الحوار الوطني هذا المقترح، خاصة ان د. الترابي وأحزاباً أخرى مشاركة تنادي بحكومة انتقالية لمدة عامين يرأسها البشير؟
< هذا قفز فوق المراحل، فنحن قلنا إن الهدف الاستراتيجي من الحوار هو أن نتفق على القضايا الاستراتيجية في الأمن والاقتصاد وفي الهوية ونظام الحكم وخلافه، وبعد الاتفاق سوف تنفذ مخرجات الحوار هذا، وهي مرحلة متأخرة، لكن البعض أظنه مستعجلاً للمرحلة الأخيرة، لكن المؤتمر الوطني لا يرفض الانتقال، فهو مع الانتقال، انتقال سلس، والوطني لا يرفض حكومة قومية، ونحن الآن في حكومة قومية، والآن مهما قلنا، يوجد أكثر من «14» حزباً مشاركاً في الحكومة، إذا كانت الأحزاب كلها ترقب في تكوين حكومة قومية بعد نهاية الحوار هذا متاح، لكن نرفض الوضع الانتقالي، فليس من المنطق ولا المقبول ولا من السياسة ولا من الحكمة أن تنتقل من نظام مستقل إلى نظام انتقالي، وان تقول ليس للشعب الحق، وان الحق لمجموعة محددة يجلسون ويضعون دستوراً انتقالياً يلغي الدستور الذي اخترناه جميعاً.. «دستور 2005م الساري هو دستور شاركت فيه معظم هذه الأحزاب»، وتلغي رئيس جمهورية منتخباً من الشعب السوداني، وقل عدداً من الأحزاب «10، 15، 20» هم الذين سوف يختارون الرئيس ويعطي قوته وصلاحيته إلى «15» شخصاً بعد أن كان منتخباً من الشعب السوداني، وتلغي البرلمان وتختار مجموعة محددة برلماناً بدلاً من البرلمان الذي انتخب من الشعب السوداني، فنحن نقول الانتقال أو الانتقال الكامل وإلغاء كل المؤسسات الدستورية الموجودة الآن ليس في مصلحة السودان، ولا نتحدث عن حزب المؤتمر الوطني لأننا لسنا وحدنا في الحكومة لكننا نتحدث، وهذا ما قاله العلماء الذين قدموا المحاضرات للجنة الحكم والإدارة، فقال أحدهم: أنا لست مؤتمراً وطنياً وأنا ضده، لكنني عالِم ولدي مركز للأبحاث، واعتقد أن أية دولة قامت بحل مؤسساتها انهارت تماماً.. وأنا أقول هذا الكلام ونداء السودان مكتوب لديهم في برنامجهم: إلغاء القوات المسلحة إلغاء الشرطة والأمن والخدمة المدنية، وهو يقول إن كل تجارب العالم أكدت أن أية دولة حاولت إلغاء مؤسساتها انهارت تماماً، وأية دولة حاولت الانتقال من نظام انتخابي إلى نظام انتقالي يحكم ويتحكم فيه أفراد انهارت تماماً، لذلك نحن نود أن يكون الانتقال انتقالاً سلساً ومرتباً ولا يسلب حق الشعب السوداني في المؤسسات، فليس هذا هو الحال، فبعد أكتوبر جلست الهيئات وعدد محدود جداً هو الذي اختار الحكومة واختار الرئيس واختار كل شيء، والآن الشعب اختار فلماذا نلغي خيار الشعب ونذهب لخيار أفراد، ونفس الشيء بعد أبريل انهارت الحكومة، حيث جلست مجموعة من الناس سموا أنفسهم التجمع الديمقراطي واختاروا حكومة ومؤسسات ورئيساً، وهذا غير منطقي وغير قانوني وغير عملي، والعالم الآخر يود أن يتعامل معك، فهل يتعامل مع وضع انتقالي بعد أن كان يتعامل مع حكومة مستقرة؟ فلذلك نحن لا نرفض الانتقال لكن نرفض الانتقال الذي يلغي مؤسسات الدولة الرسمية والمؤسسات التي اختارها الشعب السوداني، فإذا كان هناك من يريد أن يرجع إلى الشعب مرة أخرى في انتخابات مبكرة فليس هناك مانع، لكن أن تلغى إرادة الشعب السوداني ويتم استبدالها بإرادة أفراد فهذا غير ديمقراطي أولاً لأنهم يقولون إنهم يريدون ديمقراطية، وغير منطقي وليس في مصلحة السودان لأنه يحدث عدم استقرار.َ> «مقاطعة».. والحكومة القومية؟
< حكومة قومية ما في مشكلة.> الحديث عن تحديد أهداف استراتيجية وتكوين مؤسسات دولة حقيقية يأتي والبلاد تحتفل الآن بالعيد الـ «60» للاستقلال؟
< هذه مشكلة السودان الأساسية، فلم يتفق الشعب السوداني منذ الاستقلال على المصالح الاستراتيجية في الدولة، والتي يجب أن يلتزم بها الجميع، ولا تتأثر بتغير الحكومات ولا بتغير الأحزاب، لأن هذا اتفاق على مصالح استراتيجية للدولة، لذلك أنا أعتقد أننا تأخرنا كثيراً.. لكن أن تأتي متأخراً خيراً من ألا تأتي.> قدتم الوفد الحكومي للمفاوضات حول المنطقتين، ما هو تقييمكم لهذا المسار بعد انقضاء تسع جولات، وهل من رابط بين هذه المفاوضات ومسار الحوار الوطني؟
< أولاً أنا اعتقد الآن أن المرحلة تختلف عن أية مرحلة مضت، وقد كانت المعارضة المسلحة تتحدث عن تغيير النظام بالقوة، وأظن قد ثبت لديها عدم تغييره بالقوة، وكانت تتحدث عن تغيير الحكومة بانتفاضة، وثبت لديها عدم قدرتها على إقامة انتفاضة لتغيير النظام، لذلك أنا لا أعتقد أن عاقلاً يمضي في طريق خبره بأنه لا يوصله إلى نتائج، ولذلك الجولة الأخيرة الجديد فيها أنه كان هنالك استعداد منهم لأول مرة نلمسه للوصول إلى سلام، لأن المرات السابقة كلها كانت تتحدث عن وقف عدائيات وكذا وكذا، بالرغم من أننا منذ أن أعلن السيد الرئيس وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي التزمنا به، لكن هنالك «67» اعتداءً في النيل الأزرق وجنوب كردفان فقط، جلها لم تكن على القوات المسلحة، وكلها كانت على المواطنين في مناطق التعدين، على الرعاة وعلى المزارعين وعلى المواطنين في الطرق، لذلك أعتقد أنه يجب أن نمضي في السلام حتى لا نزيد معاناة المواطنين بالطريقة التي تتم بها الآن. وفي الماضي كان الحديث عن الوضع الإنساني رغم أنهم رفضوا الاتفاقية الثلاثية منذ عام 2012م، بأن تذهب الأمم المتحدة لتطعيم الأطفال، وهم يريدون استغلال هذا العنوان الكبير للعمل الإنساني لمصالحهم، لكن الذي حريص على مصلحة المواطنين لا يمكن أن يقف حجر عثرة في تنفيذ اتفاقية ثلاثية للمساعدات الإنسانية التي تمت منذ عام 2012م، وصدر فيها قرار من الاتحاد الإفريقي وقرار من مجلس الأمن، ولا يقف حجر عثرة أمام أتيام التحصين من الأمم المتحدة التي كانت تذهب لتطعيم الأطفال في هذه المناطق، لذلك أنا أعتقد أن كل المرات السابقة كانت الحركة الشعبية فيها تحاول أن ترفع «لافتات» أو شعارات غير حقيقية تمنع المساعدات الإنسانية عن المواطن، وترفع شعار أنها تريد أن توقف إطلاق النار وتفتح الممرات، وهي في الحقيقة لا تريد ذلك، ونحن قلنا في الجولة الأخيرة إننا نريد أن نمضي لسلام شامل حتى تنتفي كل هذه الأشياء: «الحاجة إلى اتفاقية العمل الإنساني والى الممرات»، ولذلك هذا هو الطريق الذي التزمنا به، والدولة ملتزمة بالوصول لسلام شامل يضع نهاية للحرب في السودان، ونتوقع في الجولات القادمة أن نمضي بصورة أكبر ما دام قد تم تحديد الهدف بيننا، ونتجاوز المزايدات والمكايدات والمماطلة بأشياء غير صحيحة سلفاً.حوار: وكالة السودان للأنباء صحيفة الإنتباهة