حتى لا يلتهموا الدستور..!!
«أترك مستقبلي في أيدي الشعب»، هكذا ختم الجنرال مشرف حياته السياسية وقدّم استقالته في أغسطس «9002»، المعركة كانت طويلة وافتخار شودري رئيس المحكمة العليا في باكستان يتعقب الجنرال الذي خطف الحكم بالقانون.. حينما ضاق مشرف بنزاهة القاضي شودري أعلن حالة الطواريء وقام بإقالة القاضي النزيه.. إلا أن حكماً تاريخياً للمحكمة العليا اعتبر قرارات مشرف غير دستورية وتمت إعادة شودري لمنصبه.. تحت الضغط الشعبي والتلويح بالعزل عبر البرلمان اضطر مشرف ليقدم استقالته ويترك بلاده طريداً إلى حين.
كشفت الزميلة الصيحة عن مشروع قانون قدمته وزارة العدل يقضي برفع عمر التقاعد لوكلاء النيابة لسبعين عاماً.. المشروع يأتي في إطار خطط فصل منصب النائب العام من وزارة العدل.. يحاول المشروع منح منسوبي الجهاز الجديد ضمانات إضافية عبر تمديد فترة التوظيف بخمس سنوات إضافية فوق المعدل المعمول به في سائر مرافق الخدمة المدنية في السودان.
الفكرة صائبة إلى حد كبير.. عدد من الدول ذات الباع في مجال سيادة حكم القانون تمنح استثناءات وامتيازات لشاغلي المناصب العدلية العليا.. مثلاً في أمريكا قضاة المحكمة العليا يعينهم رأس الدولة بعد موافقة مجلس الشيوخ.. ولكن القاضي يبقى في منصبه مدى الحياة ولا يغادره إلا طوعاً.. في مصر أخت بلادي يعتبر منصب النائب العام جزءاً من السلطة القضائية ولا يجوز للسلطة التنفيذية التدخل في عمله.. بل إن خصوم الرئيس المنتخب مرسي أخذوا عليه معركته الأولى ضد النائب العام في مصر واعتبروها محاولة للتمكين السياسي والنيل من استقلالية الأجهزة العدلية في مصر.
في تقديري.. الذي يحتاج للحماية وتوفير الضمانات ليس كل الكادر العامل في النيابة العامة، وذلك حتى لا تتسع مسألة الاستثناءات التي في مجملها خروج على قاعدة المساواة أمام القانون.. لهذا يجب أن يتمتع شاغل منصب النائب العام وحده بامتيازات تمديد الخدمة.. بل من الأوفق أن يتم التمديد أيضاً لقضاة المحكمة الدستورية.. حراس القانون يجب ألا يحالوا للتقاعد بواسطة السلطة التنفيذية.. ومن الأفضل أن يبقوا في مناصبهم حتى وفاتهم أو عجزهم البدني أو العقلي عن أداء المهام الملقاة على عاتقهم.
كل الثغرات التي حطمت بلادنا و أوردتها المهالك جاءت من باب الخروج على القانون والقفز فجراً على الدستور.. بل من المبكيات أن مولانا بابكر عوض الله رئيس قضاة السودان شارك في انقلاب عسكري على الدستور.. مولانا عوض الله أمد الله في عمره وغفر ذنبه كان العضو المدني الوحيد في مجلس انقلاب مايو بقيادة العقيد جعفر نميري.. صحيح أن الرجل كان محبطاً بسبب رفض الحكومة الشرعية التقيد بحكم المحكمة العليا الذي أفتى بعدم دستورية حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان.. بل إن التاريخ أعاد نفسه حينما اكتشف السودانيون أن عراب انقلاب الإنقاذ لم يكن سوى الفقيه الدستوري حسن الترابي الذي بعثه دافع الضرائب إلى جامعة السوربون بفرنسا ليتعلم كيف يصنع الدساتير وإذا به حين نزوة يلتهم الدستور الذي من المفترض أن يكون أحد حراسه.
بصراحة.. نحن الآن أحوج لبناء سور متين يحمي العدالة.. إذا ما تمكنا من تربية الناس على احترام القانون وعدم تجاوز الدستور سنضع قدمنا في قائمة الدول المتحضرة.