هذا الفريق وذاك الفريق .!
ارتعد سائق العربة «الهايس» وعينه تقع على الشبح.. البحر من ورائه والعدو من أمامه.. أوقف محرك العربة أمام قاطع الطريق الذي يغطي ملامح وجهه جيداً.. حمولة السيارة الصغيرة كانت من اليافعين في فريق النازحين الرياضي في طريقهم لحاضارة الولاية في نيالا.. حينما أدخل الشبح وجهه إلى داخل العربة الصغيرة كان كل شيء متوقعاً .. ابتسامة مفاجئة من الغريب حين رأى صيده المنتظر يرتدي ملابس رياضية.. كابتن الفريق تولى المفاوضات مع حامل السلاح.. دقائق عصيبة مرت والمتمرد يتحدث إلى قائده.. يعود المحارب ليدس في يد «الكابتن» مبلغ عشرين جنيهاً هو كل مايملك.. إنها المستديرة.
ولكن قصة هذا الفريق لم تبدأ هنا.. التيجاني سيسي رئيس السلطة الإقليمية في دارفور كان يبحث عن باب يلج عبره إلى معسكرات النزوح المنتشرة في الإقليم.. كل معسكر كان يحمل ماسأته للحكومة ومن يمثلها.. رجل الأعمال حسن برقو بعد أن حك فروة رأسه أدرك أن الحل في المستديرة.. استعان برقو بالنجم الرياضي والخبير على قاقارين ليعينه في المهمة.. عام وآخر من المنافسات داخل المعسكرات.. الأبواب المغلقة بدأت تفتح.. في كل معسكر بدأت الحياة تدب ملاعب رياضية وأندية مشاهدة.. دوري لكل المعسكرات ثم فريق قومي من النازحين زار الخرطوم الأسبوع الماضي وأذاق طعم الهزيمة لفرق كبيرة.
ذات النموذج مع اختلاف الجغرافيا .. طلاب مدرسة مغمورة في ولاية الجزيرة شاركوا في منافسات طلابية بدولة قطر.. حتى يدرك التلاميذ الصغار الدوحة القطرية وقفت في طريقهم كثير من الصعاب.. سكبوا الجهد وحولوا هزيمتهم أمام جزر القمر لنصر كبير.. دموع الأولاد هزت كل ذي قلب حنون.. بعد الجولة أصبح هنالك أكثر من مائة أب لهذا النصر.. لم يدقق أي شخص في البيئة الطاردة التي يدرس فيها هؤلاء الصغار.. لم يتم تدارس الظروف التي شارك فيها هؤلاء الصبية فكانت دموعهم أصدق تعبير على الضغط العالي الذي تعرضوا له.
بالإمكان استثمار نجاح فريق النازحين في إطلاق مبادرة تعيد إدماج النازحين في مجتمعاتهم الجديدة..ليس من اليسير لمن عاش في المعسكرات زهاء الخمسة عشر عاماً أن يعود مرة أخرى إلى البادية.. النازحون في أطراف مدن دارفور تأقلموا مع ظروفهم الجديدة.. المطلوب مننا جميعاً أن نعينهم على الحياة الكريمة.. تصنيفهم كنازخين يشبه أن تفرض على مريض في عربة إسعاف أن يكمل حياته في ضيق العربة.. إعادة تخطيط المعسكرات وتشييدها يعنى ضمناً دمجها في منظومة المدن التي تحتويها.. هذا الانتقال يجب ألا يمنع ملكيتهم لأراضيهم الريفية التي هجرتهم منها الحرب.. نموذج نجاح فريق النازحين يؤكد أن التغيير ممكن متى ما توافرت الإرادة.
مبادرة مشابهة يمكن أن نستغل فيها فيها انتصار البراعم في قطر.. دورة رياضية في كل مدينة سودانية من أجل إعمار المدراس.. نحاول توظيف تجاوب الجمهور مع اللعبة الحلوة في عمل ينفع الناس.. أتمنى أن يلتقط الوالي أيلا في الجزيرة قفاز المبادرة ويصنع من نصر أولاده فرحاً لأهل الجزيرة.
نجاح هذا الفريق وذاك يؤكد أن الرياضة لم تعد مجرد تسلية.. وأن كرة القدم ليست مجرد قطعة من البلاستيك يتسابق نحو ودها عدد من اللاعبين.. الرياضة أصبحت «بزنس».. لو لم ينجز أمير قطر السابق الشيخ حمد غير ترسية كأس العالم لبلده الصغير لكفاه.