عبد الباقي الظافر

كله عند الأهل صابون..!!


كلما رأيت رقم الرجل على شاشة هاتفي أدرك أن هنالك تطورات جديدة في قضيته.. التفاصيل ليست مهمة جداً.. غير أن المواطن حسن صابون قد قام قبل سنوات بفتح بلاغ ضد جهاز الأمن الوطني.. سنوات من التقاضي انتهت قبل أيام بحكم تاريخي.. ربح المواطن صابون قضيته أمام المحكمة العليا التي قضت له بتعويض مالي كبير.. لم تهتم الصحف بالخبر رغم أهميته الإيجابية في ترسيخ دولة القانون.
أمس حملت الزميلة الصيحة خبراً مماثلاً.. وزارة الداخلية شرعت في محاكمة ضابط كبير قام قبل أيام بحبس النائب البرلماني عمر دياب.. الضابط لم يهتم للحصانة التي يحملها النائب الذي فجر اتهامات ضد هيئة الحج والعمرة بعد أن كان شاهداً على موسم الحج الماضي.. الضابط يمثل أمام محكمة الشرطة بحجة مخالفته للقانون الذي من المفترض أن يكون واحداً من حماته.
قبل سنوات كان المرحوم غازي سليمان يتحدث في ندوة بقاعة الشهيد الزبير.. الراحل أقسم أنه قاد عدداً من منسوبي الأمن لحبل المشنقة في قضايا عديدة.. معظم هذه الحكايات تظل حبيسة الأدراج محجوبة عن الرأي العام رغم قيمتها الإيجابية التي تجعل العدالة ترى وهى تتحقق. ومن فرط حساسيتنا نحن في مهنة الإعلام نستخدم مصطلح نظامي للإشارة لأي فرد في القوات النظامية ارتكب جنحة أو جريمة.. الرقيب الداخلي يجعلنا نفضل تشويه سمعة كل الأجهزة القومية بدلاً عن الإشارة لمصدر الإعوجاج تحديداً.
حينما يقف جهاز نافذ مثل جهاز الأمن طرفاً في قضية أمام مواطن عادي هذا يعني أن الفصل بين السلطات قائم.. وحينما تستمر القضية سنوات ما بين استئناف وآخر هذا أيضاً يمنح المؤسسات العدلية صدقية في التعامل.. وعندما لا تجد وزارة الداخلية حرجاً أن تقر أن أحد ضباطها العظام مخطيء هذا يعني أن لا كبير على القانون.. من هنا يأتي دور الإعلام في عكس هذه النماذج.
في تقديري.. واحدة من المشكلات التي تواجه السودان صورتنا في المخيلة العالمية التي توحي بأننا دولة خارجة على القانون.. هذه الصورة لم تأتِ من فراغ رغم أنها ليست دقيقة.. قبل سنوات كنت أحضر فاعلية في جامعة فيلانوفا بأمريكا.. المتحدث كان يتحدث عن قوات «الجنجويد» التي تدخل المدن والأرياف على ظهور الخيل وتقتل وتنهب ثم تنصرف عائدة إلى مقراتها.. بالطبع الأمر ليس بهذه البساطة ولا يمكن أن يقرأ بحيادية إلا في إطار الصراع الذي فيه أكثر من طرف فاعل.. الانطباع أهمل خطوات كبيرة قام بها القضاء في دارفور من أجل محاسبة الذين تورطوا في هذه الجرائم.. كما أن ذات الانطباع لم يحمل الحركات المسلحة جزءاً من الانتهاكات.. جزء من هذه الصورة السالبة مردها لغياب المعلومة التي يتم الاحتفاظ بها رغم أن في القصاص عظة وعبرة.
قبل أيام ذكر أستاذنا عثمان ميرغني أن جهة عدلية ستشارك قريباً في مؤتمر عالمي عن التطور الدستوري.. الوفد الرسمي سيحمل بين أوراقه سابقة حكم المحكمة الدستورية لصالح التيار في قضية سابقة.. كم ستربح الحكومة أن تركت القانون يفصل بينها والتيار مرة أخرى.
بصراحة.. واحدة من نقاط ضعف الحكومة أنها لاتستطع تسويق مواقفها الجيدة لأنها محروسة بإعلام موالٍ لو لا التشهد لكانت لاءه نعم.