عبد الباقي الظافر

معارضة ناقصة الدسم..!


كان طالب الطب غازي صلاح الدين يقاتل يومها ببسالة في دار الهاتف.. كانت المعركة في الثاني من يوليو 6791، فقد فيها الإسلاميون كوكبة من خيرة شبابهم.. من وراء الجدار قتل عبدالله ميرغني وعبدالإله خوجلي.. حينما أفرغ غازي كل ذخيرته رمى سلاحه وخرج بهدوء.. الهدوء الذي يتميز به الرجل إلى يومنا هذا أبعد عنه شكوك القوات العسكرية التي كانت تحاصر المبنى.. بذات البسالة والهدوء كان غازي صلاح الدين يرتب انقلاباً ناجحاً ضد الشيخ الترابي الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية في العام 9991.. قبل أيام أعلن غازي عن تحالف جديد يضم أكثر من أربعين حزباً عَقَد لواءه لابن النيل الأزرق الأستاذ فرح العقار.
الساحة السياسية وقفت منقسمة تجاه تحالف قوى المستقبل الجديد.. تحالف قوى الإجماع الوطني وقف في ذات الموقف الذي يرفض توبة مناصري الإنقاذ.. فيما الحركة الشعبية المسلحة رحبت ترحيباً حذراً بالتحالف الجديد.. ذات الموقف وبدرجة أقل جاء من حزب الأمة القومي.. حيث رحبت الدكتورة مريم المهدي بالتحالف الجديد وفي ذات الوقت أقرت بصعوبة توحيد الكتل المعارضة.. بالطبع لم يكن منظوراً من الحزب الحاكم الترحيب بجبهة أبنائه السابقين الذين توعدوه بالانتفاضة الشعبية.
الأستاذ إبراهيم الشيخ الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني كان له موقف مغاير.. الشيخ حضر تدشين التحالف الجديد وأكد رغبة حزبه في التنسيق مع الكيان الجديد.. الشيخ قدم مبررات منطقية عبر مقال له نشر أمس بالزميلة الصيحة.. من المبررات الجيدة التي قدمها الرجل أن كل التحالفات التاريخية التي أسهمت في دق عنق الشمولية قامت على برنامج الحد الأدنى.
ما لم يقله إبراهيم الشيخ أن الإسلاميين في السودان أصحاب براعة في هز عروش الحكام وإن فشلوا في تحدي بناء الدولة.. كانوا عماد حركة يوليو 6791 التي استهدفت الخرطوم وعرفت في المخيلة الشعبية بحركة المرتزقة.. حتى على صعيد حركات دارفور كانت حركة العدل والمساواة الخارجة من رحم الحركة الإسلامية الأكثر تنظيماً والأعلى صوتاً.. فقدت قوى الإجماع الوطني زخماً كبيراً بخروج المؤتمر الشعبي من صفوفها.
إن كانت المعارضة جادة في الضغط على الحزب الحاكم فليس لها إلا الاستعانة بالخارجين على هذا الحزب .. هؤلاء يعرفون إخوتهم جيداً.. تجربتهم السياسية الطويلة تجعلهم الأقدر على قلب الطاولة.. في ذات الوقت التعامل مع الإسلاميين كطائفة مغلقة يجعل خيارهم الوحيد القتال في صف مرصوص.. ليس في أمر التعاون مع الإسلاميين انتهازية سياسية بل ربما يكون ذلك قمة الواقعية السياسية.
في تقديري.. من الأفضل للإسلاميين أن يذوبوا في كيان أوسع للمعارضة.. هذه الإستراتيجية تمنحهم القدرة على مقاومة أي عزل سياسي في المستقبل.. كما أن العمل ضمن منظومة أكبر تجنبهم مكر إخوتهم السابقين الذين أذاقهوهم صنوفاً من القهر عقب مفاصلة الإسلاميين.
بصراحة.. الحساب يؤكد أن الإسلاميين دفعوا كفارة الإنقاذ.. أطول الزعماء سجناً في عهد الإنقاذ ليس سوى حسن الترابي.. حينما كان أولاد السادة يمرحون في القصر كان المهندس يوسف لبس يقضي أطول محكومية في سجن كوبر مكنته من إجادة بعض اللغات الأجنبية.