حانت لحظة الحقيقة
يملك الرئيس الإيراني حسن روحاني الدعم الشعبي، ولكن قوات الحرس الثوري الإيراني تملك البنادق وحتى الصواريخ، ومن يكسب المعركة الداخلية بينهما هو وحده الذي سيتحكم في مسار البلاد لسنوات قادمات.
في انتخابات الشهر الماضي لاختيار مجلس الخبراء أظهر روحاني تحديا كبيرا للدولة العميقة في إيران، ولكنها مسألة وقت ليس إلا حتى يعود روحاني ويذكرنا على العلن بأنه رئيس بسلطات وصلاحيات محدودة.
لحظة الحقيقة حانت بأسرع ما توقع المراقبون، ففي صبيحة الثامن من مارس أطلقت قوات الحرس الثوري الإيراني عدة صواريخ باليستية خلال مناورات عسكرية، وليس فقط في الأمر انتهاك سافر لقرارات مجلس الأمن الدولي، بل إطلاق هذه الصواريخ جاء لتأكيد أمرين، الأول أن الرئيس روحاني رغم تأكيد قدرته على التعامل مع السياسية الداخلية وكسب تأييد الرأي العام، إلا أنه غير قادر على كبح نشاط أكبر قوى عسكرية في البلاد، والأمر الثاني أن هناك أجهزة في الدولة الإيرانية تعمل كل ما في وسعها من أجل تخريب التقارب الوليد بين روحاني والغرب.
خلال انتخابات فبراير الماضي لمجلس الخبراء اختار الشعب الإيراني رسالة التفاؤل والانفتاح والتجارة والاحترام المتبادل مع العالم التي كان يمثلها الإصلاحيون المعتدلون حلفاء روحاني في مقابل رسالة التشاؤم والدعاية العدائية إلى أمريكا والغرب، التي كان يمثلها المحافظون المتشددون بزعامة المرشد الأعلى علي خاميني، وأظهرت الانتخابات أن الحرب السياسية في إيران تذهب إلى أبعد من البرلمان والمؤسسات السياسية، ويصبح نزاع السلطة على أرض الواقع.
نتائج الانتخابات لم تأت بما يشتهي المرشد الأعلى الذي طالب أنصاره من على منبر صلاة الجمعة للتصويت لصالح الذين يهتفون (الموت لأمريكا)، وحذر من محاولات أمريكية للتأثير على الانتخابات التي جاءت نتائجها لصالح حلفاء روحاني من الإصلاحيين الذي يتهمهم المرشد الأعلى بالسعي إلى الانقلاب على النظام خصوصا خلال تظاهرات العام 2009، وبعد سنوات من العزلة عادوا وشكلوا تحالفا سياسيا للإصلاحيين المعتدلين، دعم الرئيس روحاني في الانتخابات الرئاسية السابقة.
وبعد الانتخابات التي حقق خلالها الإصلاحيين فوزا عريضا، لجأ الحرس الثوري الإيراني إلى أسلوبه الخاص في الصراع مع الإصلاحيين، وكتب بالعبرية على صاروخين في اليوم الثاني من المناورات العسكرية في التاسع من مارس عبارة (يجب محو إسرائيل من الوجود)، وذلك ليس من أجل إسرائيل أو محوها بالمعنى الواقعي للعبارة، ولكن من أجل رسالة سياسية واضحة بأن سياسة الأمن والدفاع الإقليمي لإيران لا تزال يتحكم فيها المرشد الأعلى، وأنه ليس هناك تغيير.